هاري لا يُلاكمُ دفاعا عن الإسلام فلا تُكبّروا!


يستغلُّ كثير من المسلمين الدّينَ الإسلاميَّ بشكل بشع! هلْ رأيتُمْ كيفَ كانَ أحدُ أنصار لاعب الكيك بوكسينك الهولندي من أصل مغربي بدر هاري يهتفُ: "الله أكبر"، عنْدما أسْقطَ هاري خصْمه إسماعيل لوندت على الحلبة، وعندما انتهت المباراة عادَ الشخص نفسه ليُكبّر تكبيرا، وردّدَ خلْفه الجمهورُ الشيشاني عبارات "الله أكبر"، وكأنَّهم انتصروا في غزوة أُحُدٍ.

عندما صعَد بدر هاري إلى الحلبة لمنازلة خصْمه لمْ يصعَدْ ليُدافعَ عن الإسلام، بلْ خاضَ المُباراةَ بحْثا عن المال، أيْ أنَّ النزالَ لمْ يكنْ ذا خلفيّة دينيّة، بلْ صراعا دُنيويّا محْضا، بيْن مُلاكميْن هدفُهما معا هو كسبُ المال، وكسْبُ المجْد والشهرة والتألّق، وهذا حقّهما، لذلك فلا معنى لأنْ يُردّدَ أنصار هاري عبارات "الله أكبر"، لأنّه لاكَم بحثا عن الدولار وليْسَ لإعلاء كلمة الله!

قدْ يقولُ البعض إنَّ الله وعَدَ المسلمين بالنّصر على أعدائهم، وهذا صحيح؛ وقدْ ورَد في القرآن الكريم أنَّ الله تعالى كانَ يسندُ المسلمين في معاركهم ضدّ أعدائهم، (ومَا رَميْتَ إذْ رَميْتَ ولكنَّ الله رَمى)؛ لكنْ عليْنا أنْ نستحْضرَ أنّ ذلك كانَ يومَ كانت حُروبُ المسلمين ضدَّ أعدائهم تتمُّ نُصْرةً للإسلام، أمّا حُروب اليوم ومعاركها، الفرديّة والجماعيّة، فهيَ حروبٌ دنيويّة محْضة.

لنتأمّلْ في صراع الفلسطينييّن وأغلبُهُم مسلمون مع إسرائيل، دولة اليهود وهم أشدّ أعداء المسلمين (لتَجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا). منذُ أزيدَ من نصف قرْن وإسرائيل تقتّل الشعب الفلسطينيَّ تقتيلا، ومئات الملايين من المسلمين يدعون عليها كلّ يوم بالهلاك والدمار والزوال، لكنَّ الحاصلَ هُو أنَّ إسرائيل تزداد قوَّة، بيْنما يزداد الفلسطينيّون ضُعفا، وتتردّى أوضاعهم، رُغْم ملايين الدعوات!

لا تُصدّقوا أيَّ نظامٍ سيّاسيّ مُسلمٍ حينَ يخوضُ حربا أنّه يُحاربُ دفاعا عن الإسلام. كلّ حُروب الدنيا اليوم سياسيّة، أيّا كانَت أطرافها، ولكُمْ في إيران نموذجا؛ فلِعُقودٍ ظلَّ مَلَالي طهرانَ يُناصبون العداءَ للولايات المتحدة الأمريكية، ويصفونها بـ"الشيطان الأكبر"، وحينَ أدركوا أنْ ليسَ من مصلحتهم الاستمرار في هذه اللعبة المكشوفة مدّوا أيديهم إلى "الشيطان الأكبر" وصاروا "إخوانا"!

فكيْفَ يقبلُ العقل إذنْ، أنْ تعلوَ سبّابات التّوحيد في سماء القاعة الرياضية التي كانتْ مسرحا لفوْز لاعب الكيك بوكسينك بدر هاري على خصمه وتُردّدَ حناجرُ المتفرجّين عبارات التكبير؟ ثُمّ ماذا لوْ كانَ خصْم هاري مُسْلما؟! هلْ سيُكبّر هؤلاء لأنَّ الله نصرَ مُسلما على مُسْلم؟! المُسلمون، للأسف، لا يطرحون مثل هذه الأسئلة في لحظات انفعالهم، فحين ينفعلون تتعطّلُ عقولهم عن التفكير السليم.

دعُونا نذهبُ أبْعدَ من هذا ونتساءل: ما هو الدليل الذي نملكه لتأكيد أنَّ الرياضيين المُسلمين الذين نشجّعهم ونحمدُ الله ونشكره على نصرهم مُسلمون؟ هلْ يكفي أنْ تكون جنسيّة رياضيّ ما إيرانية أو سعودية أو مغربيّة أو فلسطينيّة لنقول إنّه مُسلم؟ قدْ يحملُ جنسيّةَ دولة "إسلاميّة"، لكنْ قدْ لا يكون بالضرورة مُسلما.

ختاما أقولُ إنَّ على المسلمين أنْ يُدركوا أنّهم لن يُحقّقوا النصرَ في أيّ مجالٍ من المجالات إلّا إذا جدّوا واجتهدوا، وليْسَ بالدعاء فقط. وعليْهم أنْ يُدركوا أنَّ ثمّة فرْقاً بيْنَ من يُجاهدُ في سبيل الله وبيْن من "يجاهدُ" في سبيل الدنيا. ففي ميْدان كرة القدم، مثلا، تُتَوّج منتخبات البلدان "الكافرة" بكأس العالم منذُ نشأة مسابقتها إلى اليوم، في حينِ أنَّ منتخبات البلدان "الإسلامية" لمْ يسبق لأيّ منها أنْ تجاوَزَ عتبة دور رُبُع النهاية!