المشردين واللاجئين والمنكوبين تركوا لكي يهلكوا في صمت |
لقد صدق حدسي وليته ما صدق، ووجدتني محاطاً بقضايا ومشاكل تثير الغثيان ويخفق لها القلب وتدمع لها العين لما تراه من أوجاع وآلام على حال الأمة! إن الأمة العربية في هذا العصر والزمان هي أكثر آلاماً، وإن الأرض هي التي يستنسر بها البغاث، إنهم يدافعون عن أوطانهم بالصياح، ويردون السلاح الفاتك باليد العزلاء. فإن المشردين والمنكوبين في أوطاننا العربية من يحس بأزمتهم ويفتح قلبه وأرضه لهم، بعدما شردت أنفسهم وضاعت بيوتهم وأراضيهم في أوطانهم، ما ذنب هذا الصبي الذي جرفته المياه وهو ميت وتلقيه إلى شاطئ غريب لا يعرف من أين أتى وإلى أين ذهب؟ لقد حصدنا الفرقة والخصومة بيننا، ولا أعرف أياماً فيها يسود التعاون والتواد في هذه الأيام النكدة، لقد أصبحت القلوب القاسية لا يجدر بها أن تحمل عناصر الرحمة لهؤلاء الأسر المشردة والمنكوبة عن أوطانهم، فإن الأمة تؤاخذ بعوج ورذيلة، ووجود قلة صالحة لا يغني عنها ولا يجنبها المصير المحتوم. فالصراع الدائر الآن في الأوطان العربية هو سببه في هجرة هذه الأسر المشردة والمنكوبة من أصحاب الأرض والوطن، فأصبحوا تائهين في أوطانهم، إن من الغرب ما يخدش ظفره فيتحرك له مجلس الأمن، أما نحن هنا في أوطاننا العربية نعاني آلام وجروح وقتلى وشهداء ومشردين ومنكوبين من الألوف منهم لا يكترث لمصابهم أحد في مجلس الأمن، فإذا لم نغضب نحن لمصائبنا، فلا نلوم الذين يستقبلونها وهم لا هون. عجبي على الإهمال العربي لمأساة هؤلاء المطرودين والمشردين والمنكوبين في أوطانهم وخارج أوطانهم. ففي أغلب أوطاننا تحدث ولا حرج عن الفتنة والإرهاب والخصومات والاستعلاء والفقر والجوع إلى دنيا الشهرة كلها أمراضاً معقدة لا يستأصلها إلا الإيمان الصحيح والعقل والحكمة، فنحن ليس في مرحلة إلى غاية ما، إنما استقرار على وضع دائم وارتباط برسالة تجمع بين التراد والمعاش والمعاد. فنحن في حاجة إلى الوعي والبصيرة والحكمة والهدوء والتروي، فإذا وكل أمرنا إلى المتخلفين فمستقبلنا في مهب الرياح. إن الإستبداد السياسي السائر هو داء دوى وليس أسوأ منه إلا تجاهل أثره والتعامي عن خطره، فإن المستبدين يضعون أنفسهم فوق المسئولية، إنهم يخطئون الخطأ الرهيب، فإذا افتضحوا كان غيرهم غالباً هو كبش الفداء، فإن الحكم الفردي هو تحريف وتزييف الخلق وتمتلئ الحياة العامة بالوصوليين من أجل الجراءة وبالبرادع من أهل الزلفى. إن الناس تولد أحراراً فليس لأحد له الحق في أن يستعبدهم ويقتلهم ويشردهم عن أوطانهم، فالمجتمع الصحيح كالجسم الصحيح يشد كيانه ويضبط أموره وتتعاون قواه المنفذة تعاوناً وثيقاً يسير به في أداء رسالته، كما تسير عقارب الساعة في حساب الوقت والزمن. يقول الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله). أنني أهيب بكل أصحاب العقول النيرة أن يجيلوا أبصارهم بالنفع العام لأوطانهم ومنع العوائق التي تصد الناس عنه، فإن أنفسنا وبلادنا وحياتنا وآخرتنا في ضمأ هائل إلى مزيد من الوفاء والأخلاق والتعاون والتواد والترابط والتراحم والأخلاق والرحمة بالمشردين والمنكوبين والمستضعفين في أوطانهم. فمن حق الأمة التي تأذت في رسالتها وتردت سيادتها أن تعيد النظر مرة ومرات عديدة أخرى في الأسلوب والحكمة التي تحكم بها، وأن تبلغ دعوتها ورسالتها لما فيه الصالح العام. ما أحوج الأمة إلى رجال لهم حلم وأناة، لهم الإخلاص والتجرد يبتعدون عن أسباب النزاع والخلاف ويرفضون الصيحات ويتحرون وحدة الصف والكلمة، ويشدون الفرقاء المتخاصمين إلى الخلف، ريثما يتم إصلاح ذات البين بحل تتغلب فيه المصلحة العامة للأوطان، ويبتلع البعض غيظه لوجه الله ووحدة الكلمة والصف العربي. ما أحوجنا إلى حل أزماتنا وفتح قلوبنا لبعضنا البعض، فما دومنا نحب نغفر لبعضنا البعض. |