حقوق وأصلاحات مغيبة

 

لا يجد أي شخص عناء كبير، عندما يطالع تقييم المرحلة الراهنة، أو عندما يدير قنوات التلفاز، ليشاهد أو يسمع معظم رجالات الدولة وهم يتبجحون من خلال وسائل الاعلام، ليتحدثوا بأسم الشعب، وبأسم الحق والعدالة.

 

عجز النخبة وارتباكها في معالجة الشأن العام، وحلولها للمشكلات، كثيراً ما تكون عبارة عن مواعظ ونصائح غير عملية، وهي اليوم غير مجدية، في مواجهة الغضب العارم، الذي أنطلق للمطالبة بالإصلاحات، التي باتت ضرورة ملحة، بعد أن تحول النظام السياسي الى نظام أقطاعي، تتحكم فية العوائل، ورجالات السلطة الذين أهتموا بأمتيازاتهم على حساب تقديم الخدمات والرفاهية للمواطن.

 

مطالب المتظاهرين تكاد تكون موحدة، في كل المحافظات، وفي نفس الوقت هي بسيطة أيضاً، ولا تحتاج الى أموال طائلة لكي تنفذ،  ويمكن إجمالها بـ ؛

المطلب الاول ؛ حكومة نزيهه لا تسرق ويتم محاسبة كبار موظفيها اذا ما اتهموا بالفساد، لا أن تتستر عليهم.

الثاني ؛ حكومة عادلة تقدم الرعاية لكل مواطنيها وبدون أستثناء ودون اي تميز والقضاء على الحزبية والفئوية التي سيطرت على ملف التعيينات، وأسناد المناصب العليا.

الثالث ؛ حكومة قادرة على أيجاد إزدهار أقتصادي وتوفير فرص العمل لكل من يحتاجه، اي جعل الدولة بيئة جاذبه لا طارده.

 

هذه النقاط لم تكن متوفرة في العراق، فالفساد مستشري في كل مفاصل الدولة، والعدالة غائبة بل قتلت منذ زمن بعيد، ونظام أقتصادي أحادي منهار، يعتمد على النفط، الذي بات نزول أسعاره بشكل مستمر ينذر بكارثة حقيقية، قد تأكل الأخضر واليابس.

 

 الحكومة التي تفشل في توفير هذه المتطلبات الثلاثة، تكون فاقده للشرعية، ومخيبة للامال، لان تقيم النظام السياسي الناجح يعتمد اليوم على رفاهية المستوى المعاشي، ومدى تقديم الخدمات للمواطن، وبدليل أن العراق اليوم متخلف في جميع شؤون الحياة، ومتأخر بكثير عن أغلب دول المنطقة.

 

فقدان هذه المقومات، يجعل الشعوب الثائرة، خاصة تلك التي ضحت بكل شيئ من أجل التحول السياسي الجديد، تعلن الحرب السلمية، من أجل محاكمة الفاسد، الذي باع الوطن، والذي يعتبر نفسه فوق الشبهات والنقد والتجريح, ولقد نسي بان بغداد تصبر ولكنها تنتفض إذا ازفت ساعة الثورة.

 

استثمار الودية في التظاهرات شيئ جيد، وهو ما تميزت به جماهير الإصلاح، منذ أنطلاقها بهذا المشروع، حيث تمارس ضغوطها المشروعة وكأنها لعبة، الطرف الثاني فيها الحكومة، وهو خيار عاقل جداً من قبل المتظاهرين، اذا ما قيس بحجم الفساد والدمار الذي خلفته هذه العملية القيصرية منذ عام ٢٠٠٣ .

 

الخيار العقلاني الى اليوم هو السائد، رغم بعض التدخلات التي بدأت تظهر على الساحة، من قبل بعض الأطراف التي تريد حرف مسار هذه التظاهرات، وفتح جبهات جديدة، تزيد من حجم الضغوط التي تمر بها البلاد، وهو على عكس أهواء ومطالب الشرفاء من أبناء هذا الوطن.

 

بوادر العنف بدأت في بعض المحافظات الجنوبية، والوسطى، لكن عقلاء القوم استطاعوا أن يمنحوا الحياة فيها شكل أخر، لكن ذلك لا يعني أن لا يكون هناك محاولات أخرى لنيل هدفهم المنشود، في زعزعة تلك المحافظات. 

 

خلاصتي هي؛ أصلاحات الحكومات المركزية والمحلية لم تكن بالمستوى المطلوب، بل الأكثر من ذلك أن سيطرة المتشبثين بالوضع القائم بدأت تظهر على الساحة، والتي تنذر بأن المحاصصة الحزبية هي السائدة والمسيطرة على مجريات الأمور، وأن عليها أن تكون أكثر حزماً في ألغاء المناصب، والامتيازات الزائده، وأن لا تعطي المتصيدين أي مبرراً لاستغلال مشاعر الناس، اذا ما بقي الحال كما هو علية.