رياض قاسم .. أضَحكتَنا كثيراً وأبكيتنا أخيراً



مذ عرفته كان متمرداً فوضوياً سفسطياً لايجيد فن الإستماع للآخر يسفه ما حوله، يبسط الأشياء والظواهر، يحب الضحك كثيراً، إن حصرته في زاوية حرجة يخرج من ثوبه وينهال عليك بسيل من السباب ليتجنبك، بالمقابل كان دؤوباً في عمله يحرص على إنجاز المهمة التي توكل اليه بأفضل ما يمتلك، ويبدو لي أنه أخفى موهبته في كتابة العمود الصحفي الى أن قطع شوطاً واسعاً في المهنة وبالتحديد في منتصف التسعينات من القرن الماضي، فجر المتراكم من الثقافة في داخله ليبدأ كتابة العمود المقروء، وظهرت ملامح الشعر في قلمه لذا يشعرك في عموده بامتلاكه خزينا ثقافيا وأدبيا لابأس به.

 

رياض قاسم رحمه الله نضج تدريجياً، وتحول تدريجياً من العبثية الى التوازن، ومع أنه كان كما عرفناه جميعا في الوسط الصحفي والأعلامي، لكنه كان وظل محبوباً من قبل معظم من عمل معهم، من عرفه عن قرب ربما هو أكثر من غيره يعرف خفايا هذا الرجل والإلتباس الذي تثيره شخصيته المتمردة، لم يحالفه الحظ في اغلب الأحيان ولأنه لم يك رحمه الله صبورا حليماً تعرض في حياته الى العديد من المطبات بعضها كان قاسياً عنيفاً، لكنه في كل مرة  يعبر الى الضفة الأخرى متحملا الضغوط والأنتكاسات وأنعدام الفرص ويبدأ من الصفر.

 

   كثيرون في الوسط الأعلامي لم يقرأوه شاعراً، وهو لم يجرؤ أن يطبع ديواناً أو يؤلف كتاباً برغم قدرته الأدبية والمعرفية ربما لأنه خجول في داخله ويستحي أن يعلن عن نفسه الحقيقية كما يريدها ويثق بها، ظل هامشياً مدة طويلة لذلك لم يتسلم اية مسؤولية في حياته الا متأخراً والسبب على حد علمي إن المسؤولية تخنقه وتحدد حركته وهو لا يرغب ولا يحب إن يتكبل بها.

 

أتذكر أنه عندما فكر جدياً في كسر القاعدة التي ظل اسيرا لها وقرر إصدار صحيفة اليوم بعد 2003 بعد تشجيعه من قبل الزميل مريوش المعروف في الوسط الصحفي من خلال عمله الدؤوب في المطابع، لم يتردد لحظة واحدة في اصدارها، لكنه سرعان ما أكتشف إنه لم يخطط لضمان إستمرارها فتوقفت فورا وغطس رياض في الديون التي لا قبل له على ردها. أما المرة الوحيدة التي نجح فيها رياض قاسم في تحمل المسؤولية هي عندما أنضم الى (المجموعة) التي عملت شخصيا على إنشائها في منتصف التسعينات بمشاركة الأصدقاء المرحوم خالد ناجي عندما كان مدير مفوضاً لشركة البحر والمرحوم حسين السامرائي عندما كان مدير مفوضاً للدار الوطنية للنشر والتوزيع أضافة الى مؤسسة البركة الأعلامية، ربما سبب نجاحه هذه المرة هو أحاطته بأصدقاء ناصحين له ومتابعين لمفردات العمل، وربما حالفه الحظ، الله أعلم وقد تكون هذه وتلك.

 

أصدقاء وزملاء وكثيرون غيرهم عرفوه مثقفاً خجولا غير مبال، يمتلك القدرة على قراءة الكتب ومتابعة الأصدارات الجديدة أسرع من المتوقع، وأحيانا كنتُ أعتقد إنه يلتهم الكتب ويحفظ ما في بطونها أفضل من الجميع، كان قارئاً متميزاً ، وصحفياً مثيرا للجدل، رحم الله أبا ازل لقد عانى في حياته وقاوم فقده الغالي والنفيس في عائلته وبيته، وقاوم الصعوبات والمفاجآت، لكنها الحياة أقوى من الجميع أخذته على حين غرة الى العالم الآخر، ولا نملك ما نقول غير كلمة الوداع والى اللقاء لقد أبكيتنا أخيراً.