الصمت المعيب.. وزارة البيئة

 

الكل متفق على إ حجم الدمار الهائل في موارد البيئة نتيجة عوامل كثيرة من أهمها الحروب والنشاطات العسكرية والتفجيرات أدت إلى انهيارات كبيرة في البيئة، كما كان ولا يزال للتدخل البشري السلبي تأثير كبير على إفساد البيئة باستنزاف الموارد والممارسات الخاطئة التي سواء كانت صناعية أو زراعية أو خدمية ، ناهيك عن عوامل طبيعية كالتصحر وتقليص المساحات الخضراء و قلة مناسيب المياه وانتشار الأمراض وغيرها ساعدت على زيادة حجم التدهور البيئي، كل تلك العوامل وغيرها التي هي مدار بحث المختصين كان ينبغي أن تتبنى الحكومات المتعاقبة سياسات إستراتجية وبرامج ومشاريع تحاول من خلالها الحد من هذا الانهيار البيئي بمساعدة دولية وبتمويل داخلي وخارجي ويتم ذلك من خلال قوانين وتشريعات تقوم بها مؤسسة حكومية سيادية متخصصة .كان تشكيل وزارة البيئة بعد 2003 وهي امتداد لدائرة حماية وتحسين البيئة سابقا علامة بارزة وإشارة واضحة لاعتراف النظام السياسي الجديد بحجم المشكلة وهي خطوة حضارية مترابطة مع مبادئ حقوق الإنسان التي تركز على حق الإنسان في العيش ببيئة صالحة .إلا إن تأثير القرار السياسي المرتبك وغير الواعي على العمل المهني المتخصص ليس في مجال البيئة وحقوق الإنسان والنهوض بالمرأة ورعاية الطفولة وغيرها من القيم الإنسانية السامية أنما شمل مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والصحية جعل من هذه المؤسسات مشلولة بفعل المحاصصة التي أنتجت قيادات سياسية غير فاعلة لإدارة هذه المؤسسات وأغرقتها في الفساد الإداري والمالي وهمشت الكوادر العلمية والمهنية التي كانت مؤمنة بأهمية الوصول إلى عراق خالي من التلوث .حالة الفساد والترهل وقلة الخبرة وشحة التخصيص المالي وعدم إيمان صاحب القرار بحماية الموارد البيئة وتحسينها وممارسات كثيرة خاطئة جعل من وزارة البيئة وغيرها من المؤسسات مجرد مناصب لاستيعاب التوافقات بين الكتل والأحزاب السياسية بالرغم من إصرار كادرها المهني على إحداث نقلة نوعية في العمل البيئي كلما انتيحت لهم الفرصة وبذلوا في ذلك جهود كبيرة ولكنها غير منظورة قياسا لحجم الدمار الكبير .كما إن الوعي البيئي في العراق ضعيف بسبب عدم قدرة وفشل وزارة البيئة وهو إحدى مسؤوليتها الأساسية إلى تعميمه والعمل عليه والتنسيق مع فعاليات منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة في تطويره وترسيخه في المجتمع والعمل على إيجاد روابط اجتماعية ضاغطة تساعدها في مواجهة التلوث بفعل النشاطات الحكومية أو الأهلية . لذلك أصبحت وزارة البيئة هي الحلقة الأضعف في سلسلة الأجهزة الحكومية وكان من الطبيعي والبديهي إن تعمد الحكومة إلى التفكير في إلغاءها أو دمجها بوزارة أخرى تحت يافطة الإصلاحات أو الترشيق الحكومي لعلم الحكومة إن مثل هذا الإجراء سوف لا يلاقي تحدي شعبي أو حكومي أو حزبي في تنفيذه.وفعلا لم يلاقي قرار الدمج اعتراضات حقيقية مؤئرة عدا المحاولات الخجولة لبعض منتسبيها على شكل تظاهرات محدودة العدد. هذا الصمت نعزوه لسببين أولهما قلة الوعي البيئي لدى المؤسسات والأفراد والأخر حصول قناعة لدى المواطنين بفشل القائمين على حماية البيئة في تقديم خدمات ملموسة وجادة للمجتمع ، ولكن هل الحل هو تجميد العمل البيئي أو تشتيه أو دمجه مع نشاط نقيض له، أم إيجاد حلول واقعية لتطويره وتنقيته وتقوية الحلقات المضيئة فيه لصالح حماية الموارد البيئة والتخفيف من التلوث الذي ترتفع نسبه بشكل مخيف.البيئة مسؤولية الجميع مؤسسات ومواطنين ومنظمات مجتمع مدني والسكوت على تسييسها هو تقصير من الجميع ولا نجد مبرر عند النخب المثقفة كأساتذة الجامعات والأدباء والفنانين والاعلامين والناشطين لهذا الصمت المعيب إزاء آفة تأكل في بلدهم وتهدد الإنسان والحيوان والتربة والهواء .لا دفاعا عن بقاء وزارة البيئة بصيغتها السابقة المثقلة بالترهل وبالفشل في إدارة مفاصلها وبخططها غير الرصينة و بمنتفعيها إنما العمل تشكيل بديل عنها تحت أي مسمى وبأي مستوى تنظيمي يتبع مباشرة إلى مجلس الوزراء أو مجلس النواب كهيئة مستقلة أو مجلس وطني لحماية الموارد البيئية أو مركز وطني متخصص غير خاضع للمساومات السياسية وتأثيراتها السلبية. هذه دعوة لأصحاب القرار والمهتمين بالشأن البيئي لإعادة دراسة هذا الملف لأهميته الكبيرة .