إلى تراب القبر الرمزي

 

 

ابي العزيز، تذكرتك فجرا وانا احلق ذقني الذي لا يخلو من شيب، تذكرتك رغم ان صورتك الفوتوغرافية  معي منذ ان عدت بعد2003، وربما مررت انت بين شفرة الحلاقة وانعكاس وجهي في المرايا المكبرة، وتذكرت كيف كنت ارقبك وانت تحلق وترمقني وكيف لا تجهد نفسك لتظهر بوجه مداعب لطفل صغير معجب بك.

 

اتعلم؟ انا اليوم اكبر منك بسنتين! فأنت لم تبق على هذه الارض اكثر من اربعين سنة وربما كانت تسعا وثلاثين، وغريبة مفارقتي هذه وانا اشعر، ربما اشعر ببعض ما يحسه من كان بعمرك من مسؤولية، غير انني اعترف انك افضل مني بكثير. فانت كنت تفعل وتقول بدون تحفظ ما يمدك بضياء لا زال وهج قوته يجعلني ارجع بوجهي للوراء من قوته.

 

اقمت لك قبرا رمزيا بعد ان فشلت جهود البحث عن جثمانك المغدور، واستقريتما وامي معا متجاورين تحت مظلة خضراء تحمل اسمك، ولأنني لا ادري و ليس لي خبر من العالم الاخر الا خيال يشوبه الايمان و الخوف و ارتعاد الفرائص كلما تاملت كيف تتفلت الروح من الجسد لتختفي تاركة الجثمان، فكيف الحال و انت لا روح ولاجسد؟.

 

اكتب اليك و انا اسمع صوتي يسبق نقر ازرار الحاسوب الذي يمسك افكاري اليك، فنحن على مقربة من ذكراك التاسعة و العشرين، واقول لك وكنت انا قلتها من قبل انك محظوظ، لان الذي اغمض عينيه قبل الان محظوظ.

 

سبقت اختي امي في الرحيل عن الم هذه الحقبة، وعن الم العيش مع القطيع الغريب الذي لازال يرعى ويقضم الطعام، ولحقت بعالمكم جدتي وعمي الاكبر.

 

نحن يا بابا ثلاثة فروع منك، كل منا له بطاقة تموين، وبطاقة التموين جاءت بعد خلل سياسي نتج عنه توزيع الطعام وفق مستند يعد رابعا في اثبات شخصية العراقي مع بطاقة السكن، وهما مالم تتكحل عيناك ولا تسارع يداك لمسكهما!. فانت لم تكن حاضرا ساعة صدرت البطاقة وكارت المعلومات!.

 

 نحن بعدك تذكرنا ثاراتنا في كتب التاريخ فقتلنا وبلغنا عن بعضنا بسبب انتماء طائفي، وازيدك ايضا فكثير من نواب الضباط اصبحوا الوية واركان حرب او رجال دين!.

 

الرفاق الحزبيون صاروا سياسيين، وكتبة التقارير صاروا شعراء والسنتهم بلون احذيتهم!.

 

عجائزنا من ذوات البركة اختفين بسبب الشيخوخة او المرض، او ربما بسبب انهن اقتنعن اخيرا ان لا مكان لهن وسط الكادر النسوي الاجتماعي المتقدم الذي يربض متمسكا بالحياة والحيلة وادعاء المسالمة، هذا الجمع النسائي الشرير الذي لا عمل له الا ان يدفع الرجال للموت ليلبس السواد ويقبض الراتب التقاعدي!.

 

شيوخنا من اهل المواقف و الشهامة اصطفت قبورهم المحشوة باجسادهم الى جانبي قبرك الفارغ، وبقي من كبار السن ثلة قلقة المواقف كقلقها من تقدم العمر الذي يسرق النوم الهانئ نوم ايام زمان!.

 

ابي اعتب على نفسي وعليك لانني منذ سنوات لم ارك في حلم، ولا ادري ربما لانك قررت ان تقطع كل اتصال بنا، ام لاننا اكتفينا بثواب لك متباعد، وكل ثوابك الذي نقدمه منذ عام يكون للنازحين، وان سألتني بأستغراب اقول لك ان البلاد فيها ثلاثة ملايين منهم!.

 

فكرت بك فجر اليوم، وانتبهت الى شيبي الذي يفوق شيبك، ورجوت لو انني اختفيت بعدك بقليل، فالحياة واقصد اللاموت في البلاد يجعلني احسد وافهم حكمة ان تذهب و انت لم تنف على الاربعين.

 

انا يا بابا انفقت عشرين سنة في النضال، ولم اهرب لأكون لاجئا سياسيا ولا بشريا، وعدت لاجد انها “خلت ولم تقلب للان”، فالكلاب السائبة تلبس بدلا رسمية، الافواه لا تنطق الا الكذب او الخوف او المس باطهر الاشياء، الجرأة على الميت كجرأة المومس على الاكل من بيع العفة، الصداقة هي في فيسبوك و النهب، التاريخ اغنية للقبانجي مع شرب الشاي. المهم، انا سعيد لانني تذكرتك!.