مهما تكن كلمة التقسيم مخيفة للعراقيين و السوريين، و ربما لدول اخرى في المنطقة ، الا انها مغرية للكثيرين من الاطياف و سياسي الاحزاب. وتغريهم لأنها ستعتمد كغيرها من الحلول الآنية المحاصصاتية على النسبة والتناسب. فالنائب عن المكون السني يمثل واحداً من ثلاثمئة و ثمانية و عشرين، بينما عند الانفصال سيمثل واحد من خمسين نائبا. و عند حساب حظه في المنصب لو كان ممثلا لإحدى ثلاث قوائم سيتكون منها برلمان الانقسام الجديد مثلا والحكومة في المنطقة الغربية من العراق "القديم"، سيكون حظه واحد من ثمانية عشر فقط باعتبار وجود ثلاثة احزاب متنافسة وعلى الاكثر متحاصصة. وهذه الحقيقة بحد ذاتها مخيفة عند من يرغب في البحث فيها. و مشروع التقسيم يشمل اكثر الطوائف و الكتل و الاحزاب، و اي تجمعات سياسية في هذه البلدان حتى من يتسربل باليسارية والديمقراطية. فالإنسان يحمل في نفسه الخير و الشر. "و نفس و ما سواها، الهمها فجورها و تقواها ". و يدخل في احتمال هذا التحليل سياسيين و وطنيين على السواء، لقد نجح مخططي التقسيم في فرض حالة من اليأس و الهلع و فقدان اي امل بما يسمى اليوم (الاوطان) فكفر اكثر الناس بها. و اصبحت هجرة الناس في هذه الظروف و بهذه الصعوبة نتيجة لكل الياس، اصبحت احلى و اكثر محببة من الياس القاتل الذي يلف العالم العربي خاصة، و العالم الثالث عامة .
احب ان اؤكد على وصفي لحالة خاصة سنمر عليها كثيرا. وهي حالة (الازدواجية)، في الارادة و التطلع و الامل و في الحياة السياسية، التي تنبع من عدم ثقة الشخص او الجماعة بمشاريعهم ، او مشروع لأي انسان و حساباته في نجاحها او فشلها، لذا نراهم يلجؤون الى احتمال آخر في حالة صعوبة تنفيذ الهدف الاول و هذا الاحتمال الثاني هو ما يدور في خلدهم متوازيا مع الاحتمال الاول. هذه هي الازدواجية السياسية في كل انواعها في العراق، التي ثبتها الامريكان بعد ان زرعوها في العراق .
و ما بعد التقسيم موضوع (الحالة القادمة) حقيقية لكنها مخيفة لمؤيدي مشاريع التقسيم، و ان اخفوها حاليا، فنراهم يتخوفون حتى من التفكير بها. هي حالة الانقسامات الفرعية التي ستبنى على حالات التفاضل و التناسب. كردستان اليوم احسن مثال، و ليس فريد على بداية هذه الحالة (الاخطر) المضرة بحياة الشعب العراقي عموما .
عند فشل الاكثرية (العددية) الشيعية في ادارة العراق كبلد موحد يعتمد الديمقراطية كاسلوب ونظام ، على الرغم من رغبتهم في ادارة عراق موحد ، لأنهم الوحيدون الذين لا يخافون من نتائج اي انتخابات ديمقراطية اعتمادا على نسبتهم الكبيرة ضمن مكونات الشعب العراقي. فمن حالة الانقسامات التي فرضت على العراق و التي اغرت سياسي العراق بالتشبث بها من نواحي عديدة، اهمها و اولها ناحية المنافع الشخصية (الانانية). عند هذا الفشل سقطت نظرية وحدة العراق، او العراق الموحد. لقد مرت عدة مناسبات تخلى فيها قياديو المكونان الاخران عن الحكومة وامتنع من الحضور نوابهم في مجلس النواب. هنا ، لم تستغل الطبقة الشيعية الحاكمة كأكثرية نيابية هذه الفرصة و تشكيل حكومة اكثرية نيابية بعد ان تخلى عنها المشاركون، فشلوا في فرض حكومة اختلاط نيابي تكنوقراطي . بتسمية و ترشيح اشخاص تكنوقراط غير مسيسين ومن خارج الأحزاب السياسية العراقية، اي من المستقلين ولكن من المكونات الاخرى العراقية، ليسدوا الباب على اكذوبة و سمعة الحكومة الطائفية الشيعية الصفوية ! التهمة التي مازالت تلاحقهم مع كل التنازلات و الخضوع و حتى الانبطاح. ذهبت هذه الفرصة الذهبية مع الاسف لان الاكثرية النيابية كانت هي الاخرى منقسمة على نفسها و غير واثقة من تصرفاتها، و الاهم غير واعية او متمكنة من جدلية حق الاكثرية النيابية في الانظمة الديمقراطية و مسيرتها في كل انحاء العالم .
لكن ليس كل شيعة العراق مخلصين لوحدة العراق. هذه حقيقة يجب الاعتراف بها .فكثير من قيادي الكتل الشيعية التي تكونت بعد التغيير، و التي تكونت على اسس شخصية او عائلية او بنت كتلتها على اساس التطرف المقابل. ينطبق عليها حسابات النسبة و التناسب و الاحتمالات و توقعاتها كما كتبت في اعلاه .الا ان نظرية الاحتمالات و الاحصاءات لها شواذ كأية نظرية علمية عالمية .
تجري عملية التقسيم كما خطط لها، ربما تتبطأ بعض الوقت او تتسارع حسب الظروف الآنية و المساعدات الخارجية، ذلك لان المؤمنين بها ذو انتماء ازدواجي واضح، و اصبح الكثير منهم لا يخفي هذه الازدواجية. زيارة رئيس برلمان العراق مثلا الى قطر في وقت انعقاد مؤتمر يساهم فيه اعداء العراق و في دولة قطر (اللقيطة)، يؤكد ما ذهبنا اليه. هذه صلافة سياسية، لن تحدث لو لم تكن معتمدة على اسس ثابتة و مؤكدة من قبل صانعيها الاصليين ، اي صانعي مشروع تقسيم العراق، كما لا يمكن ان تحدث لولا ايمان هذا الشخص بالمشروع ضمن نظرية الازدواجية و ثنائي الولاء. و لا يمكن تبريرها الا على انها تنتمي اصرار ازدواجية هذا الشخص.و مهما حاول تبريرها او نفي ارتباط موضوعها. لأن هذا الشخص يمثل كل العراق النيابي و عليه ان يتصرف من هذا المنطلق فقط . فاذا ما حاول ايجاد تبرير لها بدمجها بزيارته تليها الى ايران يؤكد اما غبائه السياسي، او غطرسة الصلافة . حيث كان بامكانه ان يتلافى هذا الاشكال الذي وضعه فيه القطريون (كما حلله له اصحابه) ، او كما صرح به مكتبه الاعلامي، كان بامكانه ان يزور ايران اولا، الى حين انتهاء مؤتمر الاشرار في الدوحة. لكن مشكلة العراق ان كثير من سياسيه قليلي الذكاء و قليلي الحنكة السياسية، و الاهم في رأيي المتواضع ،انهم لا يعيرون اية اهمية لاستشارة مستشاريهم .
تجري في اقليم كردستان حاليا اشكالية دستورية عراقية و اقليمية. هي انتهاء مدة رئاسة السيد مسعود بعد تمديدها غير الدستوري لسنتين .لكن لا نرى اي رأي للحكومة المركزية على الرغم من انها تمثل كل العراق والاقليم كجزء من العراق. و لا نرى حتى مداولات و نقاش مع السيد مسعود حول هذا الاشكال، و لا حتى عتاب (الاحباب)، والسؤال عن لماذا قد اصر هو شخصيا على تحديد فترة الرئاسات الثلاث بفترتين فقط في العراق؟ من هنا نرى كيف و لماذا يصرح السياسيون الغربيون و يتحدثون عن تقسيم العراق، انهم يتكلمون عن واقع يرونه و لا نحب ان نراه او نعترف به نحن. فتثور اعصابنا و نلومهم و نلعن صفحة صفحاتهم. ومن هنا اؤكد بل اجزم ، انه حتى هذا الاقليم معرض للتقسيم لأسباب ذكرتها في اعلاه اضافة الى أطماع شخصية من قبل العائلة البرزانية. وهذه الاطماع الشخصية تتمثل في انشاء الامارة البرزانية على ربوع اربيل و ربما قسم من دهوك. و لا تهتم بالقضية الكردية الشائكة و المملة و المتسعة الاطراف في اربعة بلدان، و هي غير مؤمنة بنظرية البرزاني .
كذلك الامر عند المكون الاكبر، الشيعي. حيث نرى كيف اخذت تتعدد الولاءات و المرجعيات (غير الدينية) العائلية و تعبر حدود الوطن و الدولة. اسس مقتدى كركري (وهذا الشخص لغز كلغز الدواعش ) ، من اسسه و من يموله ؟؟؟ كلاهما ينقصهم الذكاء بحيث نتقبل تأسيس تكوين سياسي او عسكري من قبلهم . إلا ان من صمم تقسيم العراق قد افلح في إبراز هؤلاء الشواذ التي تتفاعل عند الطلب، فتهدم و تضر في النظرية الطبيعية الحياتية لاي بلد .كذلك عمار الحكيم و انقسام حزب الدعوة و انقسامات اخرى في طريقها ، كل تلك النتائج تعود الى نظرية الانفصام الشخصي و السياسي لكثير من سياسي العراق . فتولد عندهم تعدد الولاءات و تعدد الاتجاهات سعيا وراء الحصول على اي نتيجة مهما كانت دون المستوى الوطني. بكلمة اخرى ، تدنت مكانة الوطن الى اثقل من مكانة الانتهازية و المحسوبية و المقبولية و كل الطاولات التي على اشكالها تقع .
ثم جاء نداء المرجعية (خوفا من احتلال الاماكن المقدسة الشيعية) المهمة للعالم الشيعي، و خوفا من احتلال العراق عموما .
فما هي مساهمات التكوينات السياسية الشيعية؟ سننتظر نحن كذلك .
الا منظمة بدر (الخير) و انصار كتائب حزب الله و عصائب اهل الحق، ومن هب معهم من شعب لا يملك من هذه الدنيا الا ماء الوجه و العفة و الاباء ، شعب اوسع من ان تضمه تكوينات شيعية خائبة فقدت عناصر و اسباب وجودها .
إذاً سينقسم شيعة العراق كذلك لو انفصلوا، كاقليم الجنوب و البصرة و بغداد .لان الانتماءات الشخصية و العائلية و ازدواجية الاهداف تقض مضاجعهم كما تفعل في بقية الانتماءات العراقية. و ستتقسم الاقاليم الاخرى المخطط لها ، ستنقسم فيما بينها كنتيجة حتمية لكثرة الولاءات و تعدد الاهداف .
|