وسط حالة يأس وتذمر توقف محمد الخصيبي الرجل الستيني الذي غادر العراق اواخر السبعينيات، على مشارف احد انهار ابو الخصيب اذ عاد بذاكرته الى سنين خلت وكيف كانت هذه الانهار نبعا صافيا عذبا، يسقي اشجار بستانه الانيس، والذي تحول هو الاخر الى ارض جرداء بعد موت نخيله وبقيت الاشجار ومنها الحناء. لكن اكثر ما اصاب الخصيبي من احباط حال شط العرب وتحول لون مياهه تارة الى الاخضر الطحلبي، واخر الى احمر ملحي حتى اخذت الطيور تسقط من تبخر الملوحة والاسماك تنفق من الطحالب. عاد الخصيبي بعذ زيارة ايام الى منفاه الاوربي مجبرا لكن ظل الامل يحدوه ان يعود الالق الى بستانه وانهار ابو الخصيب والى شط العرب.
المياه الحمراء والاسماك
حول انخفاض مناسيب مياه شط العرب، وزيادة نسبة ملوحتها وتلوثها والذي أدى إلى غزوها من قبل عوالق ضارة هددت الحياة فيها وحولت لونه إلى الأحمر، أكد عضو مجلس حماية وتحسين البيئة في البصرة، نوري عبد النبي، لـ(المدى برس)، على ضرورة زيادة الاطلاقات المائية للشط ومنع تصريف المياه الثقيلة فيه للتخلص من تلك الظاهرة الخطيرة التي تطول أهالي المحافظة. مبينا: إن مياه شط العرب تشهد ظاهرة المد الأحمر حيث يتغير لونها إلى البني ثم الأحمر بسبب وجود عوالق في قعرها، مشيراً إلى أن تلك العوالق عبارة عن نوع من مجاميع وحيدة الخلية منها ما هو بحري أو يعيش بالمياه العذبة.
وعن اسباب انتشار تلك العوالق ووصولها الى شط العرب قال عبد النبي : العوالق جاءت من مياه البحر بسبب تغير الظروف البيئية في شط العرب، نتيجة ارتفاع الحرارة والملوحة ونسب التلوث والعوالق، وانخفاض منسوب المياه. مبيناً أن ذلك انعكس على لون المياه لتصبح حمراء. مستطردا: أن ظاهرة انتشار العوالق تؤثر في وجود الأسماك في شط العرب، اذ تؤدي إلى اختناقها نتيجة سد فتحات خياشيمها، كونها تجتمع حولها، لافتاً إلى أن العوالق تؤثر في المحار الذي يتغذى عليها خاصة إذا كانت سامة حيث ينتقل تأثيرها إلى الإنسان إذا ما تناوله.
وبشأن ماهية الحلول الواجب اتباعها من اجل انقاذ شط العرب ذكر المسؤول البيئي: الحل يكمن في معالجة التلوث في شط العرب، من خلال منع تصريف مياه الصرف الصحي إليه، وزيادة الإطلاقات المائية إليه، منوها: أن ذلك يؤدي لتحسين نوعية مياه شط العرب وتقليل نسبة الملوحة فيه، ودفع العوالق إلى البحر، حفاظاً على الثروتين السمكية والبيئية.
سد ومحطة بحثية
لجنة الزراعة والموارد المائية في مجلس محافظة البصرة كشفت لـ(المدى) على لسان رئيسها جمعة الزيني: ان البصرة شهدت خلال الفترة الماضية ارتفاع نسبة الاملاح عن الحد المسموح. مبينا انها تركت اثراً سلبياً على الانسان والنبات والحيوان.
واشار الزيني الى ان اسباب ذلك الارتفاع الناجم عن غلق نهر الكارون، واستمرار صب المبازل الايرانية في الشط بما تحمله من مخلفات متنوعة. مضيفا: مع قلة التخصيصات المائية التي تصل الى البصرة والتي تقدر بحدود 31 م \ ثا والمطلوب في الحد الادنى 50 الى 60 م\ ثا. موضحا ان هذه الانخفاض انعكس بشكل سلبي على مشروع ماء العباس الذي يحتاج قرابة 7,5 متر مكعب/ ثا ، ويصله الآن بحدود 4,5 متر مكعب / ثا.
وعن كيفية معالجة الامر ذكر الزيني ان الحكومة المحلية قدمت دعما لدائرة ماء البصرة بملبغ 25 مليون لتغطة نفقات المياه، و75 مليون دينار الى مديرية دائرة صيانة الري والبزل. وذلك من خلال نصب مضخات مياه التي تصل من البدعة والقناة الاروائية الى قضاء ابي الخصيب فضلا عن ارسال مركبات مياه الشرب لمناطق قضاء ابي الخصيب التي تعاني من ملوحة المياه في شط العرب.
كما حمل رئيس لجنة الزراعة والموارد المائية في مجلس محافظة البصرة جمعة الزيني في حديثه لـ(المدى)، وزارة الموارد المائية مسؤولية عدم اطلاق الحصص المائية الكفيلة بمعالجة مشاكل المياه في شط العرب، مؤكداً أن البقعة التي قيل انها زيتية تبين انها لنوع ضار من الطحالب، حيث اثبتت الفحوص والدراسات التي اجريت من قبل مختصين ان هذه الطحالب تنتشر في الخليج العربي.
هذا بشان المعالجات الانية اما المعالجات الستراتيجة فقد ذكر الزيني سيتم انشاء سد لم يتفق الى الان على مكانه الملائم، مع انشاء محطة بحثية تحليلية، اضافة الى قناة انبوبية تصل الى مسافة 60 كيلومتر مع 9 محطات تحلية للمياه.
التغيير الدراماتيكي
بلاد الرافدين وارض السواد اسمان ارتبطا ببعض في العراق تاريخيا يشكو الآن من العطش والتصحر الخبير المائي حسن الجنابي قال في حديثه لـ(المدى): شط العرب جزء اساس من النظام النهري في بلاد الرافدين ومن خلاله تصب الانهار العظيمة دجلة والفرات والكرخة والكارون مياهها في ثغر الخليج. لذلك يرتبط مصيره بمصير الانهار المغذية هذه. موضحا: وقد ضمن المد البحري في الخليج استدامة عذوبة مياه شط العرب وانهار البصرة وخصوبة اراضيها وحقولها وثروتها السمكية لان المد البحري كان يدفع المياه العذبة يوميا الى الشمال، فتبقي البصرة عائمة على بحيرات عذبة.
واستدرك الجنابي: لكن الوضع الطبيعي للانهار الاربعة المذكورة تغير دراماتيكيا، وتمت السيطرة على حركة مياها ومنع فيضانها والتحكم بجريانها وبالطبع استغلال تلك المياه بصورة غير مستدامة، فانعكس الامر على شط العرب كارثيا. لافتا: الى تحول بيئته الى بيئة بحرية على انقاض طبيعتها النهرية التي سحقت بسبب انحسار المياه اضافة الى الحروب المدمرة التي شهدها العراق مع الجيران والعالم.
مياه الشرب والارواء
منذ عقود ومشكلة مياه الشرب والارواء في البصرة قائمة رغم كل المناشدة والمشاريع التي يعلن عنها لكن الذي يبدو انه لاحل يلوح بالافق عن ذلك قال الخبير المائي حسن الجنابي لـ(المدى): غزت الحيوانات الغريبة والطالحب البحرية شط العرب وتوقفت محطات معالجة مياه الشرب المقامة على الشط عن استخدام مياه الشط بسبب ملوحتها الكبيرة. مضيفا: لذا حدثت منذ التسعينيات مشكلة حقيقية في البصرة في الحصول على مياه الشرب او الارواء، ووقعت البصرة ضحية مرة اخرى لسوء الادارة والتلكؤ والتردد باتخاذ القرارات الصحيحة، ويدفع اليوم ابناء البصرة ثمنا فادحا من صحتهم واموالهم وبيئتهم ثمنا للسياسات السابقة. مؤكدا: لاتوجد حلول سهلة لمشكلة المياه في البصرة ولكن توجد حلول صحيحة بحاجة الى اتخاذ قرارات.
ام العود منكوبة
في اخر انجاز له، قرر مجلس محافظة البصرة، الاسبوع الماضي، اعتبار المحافظة منكوبة بسبب تفاقم أزمة ملوحة المياه وغياب الحلول الناجعة السريعة للتخفيف من الأزمة التي تسببت بمعاناة إنسانية كبيرة وأضرار بيئية واقتصادية جسيمة. وقال رئيس لجنة إنعاش الأهوار في مجلس المحافظة ربيع منصور، إن المجلس قرر خلال جلسة عقدها في مقره اعلان البصرة محافظة منكوبة بسبب تفاقم أزمة ملوحة المياه والمعاناة الانسانية والأضرار البيئية والخسائر الاقتصادية الناجمة عنها، مبيناً أن توصية بذلك سوف يتم تقديمها رسمياً الى مجلس الوزراء لغرض اعتبار البصرة منكوبة من قبل الحكومة الاتحادية واتخاذ ما يلزم لإنقاذ سكانها من معاناتهم.
الملوحة تهجر العذبة
وبخصوص الأزمة الناجمة عن انخفاض كميات المياه العذبة الواصلة الى المحافظة لفت منصور الى أن حصة البصرة من المياه العذبة يفترض أن لا تقل عن (50) متراً مكعباً في الثانية، ولكن ما يصل من تلك الكمية لا يزيد عن( 27 ) متراً مكعباً في الثانية، وذلك من جراء انخفاض مناسيب دجلة والفرات، وكثرة التجاوزات التي تطال حصة المحافظة من المياه لدى مرورها بمحافظتي ميسان وواسط.
وأشار عضو مجلس المحافظة في حديثه: الى أن مياه البحر شديدة الملوحة حلت محل المياه العذبة في شط العرب والأنهار المتفرعة منه، بحيث تغلغل المد الملحي حتى وصل الى ناحية الدير، وهو يقترب من قضاء القرنة، مضيفاً أن نسبة التراكيز الملحية في مياه الشط وصلت الى 11 ألف جزء في المليون، وهو ما يجعلها غير صالحة للاستخدامات المنزلية والزراعية، ولا حتى في البناء، وبالنتيجة نفقت الكثير من الحيوانات الحقلية، وأصاب العمى الكثير من الجواميس والأبقار والأغنام من شدة الملوحة، وجفت المزيد من بحيرات تربية الأسماك، وتضررت معظم البساتين والمزارع والحقول، بحيث يواجه القطاع الزراعي انهياراً شاملاً.
الخليج والكارون
لم يكفيه هم الاهوار وجفافه ليضيف شط العرب هما اخر له الخبير البيئي جاسم الاسدي تحدث لـ(المدى) عن شط العرب والملوحة قائلا: الحديث عن أرتفاع ملوحة شط العرب يقودنا للحديث عن تناقص أطلاقات المياه العذبة الى هذا الشريان المائي المهم. مبينا: لقد عاني شط العرب ومنذ بضع سنوات ونيف من تدهور بيئي كبير نتيجة عوامل متعددة لعل أهمها أطلاق مياه الصرف الصحي لهذا النهر وتوقف جريان الفرات بشكل كامل نحو ملتقاه مع دجلة في القرنة، ووصول أطلاقات دجلة الى شط العرب الى أقل مستوى تأريخياً وبحدود 30م3/ثا.مضيفا: ناهيك عن تحويل الأيرانيين لمجرى نهر الكارون بعيدا عن شط العرب وهذا النهر وحده كان يغذي شط العرب بمعدل 200م3/ثا ويقف سدا منيعا أمام موجة المد الملحية القادمة من الخليج.
المد الاحمر والموت البطيء
واسترسل الاسدي بحديثه: أضافةً قيام الأيرانيين بأنشاء (3) سدود على نهر الكرخة وأنشاء سدة ترابية ضخمة بطول (68) كم قاطعة لجميع شرايين المياه التي تغذي هور الحويزة على أمتداد الحدود الدولية. موضحا: ان كل هذا كان فعالاً في تغلل المد الأحمر لشط العرب، حيث أرتفعت الملوحة بشكل كبير فيه ووصلت الى حدود مخيفة، حتى وصلت بحدود 30000 جزء/مليون في الفاو وهي تساوي ملوحة مياه البحر، و22000جزء/مليون في أبو الخصيب، و7000 جزء/مليون في قلب البصرة مقابل العشار، و4000 جزء/مليون عند محطة كهرباء الهارثة، و1600 جزء/مليون عند مدينة الشافي شمالي البصرة.هذا يعني موتا بطيئا لبساتين النخيل وتدهورا للتنوع الأحيائي وخاصةً الثروة السمكية، وتلوث لمياه الشرب، وتأثير سلبي على أهوار المسحب والصلال.
خطة ستراتيجة ولكن
أقضية الفاو وأبو الخصيب (جنوباً) وشط العرب (شرقاً) أكثر المناطق تضرراً من تلك الظاهرة، حيث جفت فيها العشرات من بحيرات تربية الأسماك، ونفقت الكثير من الحيوانات الحقلية، كما تراجع إنتاج النخيل من التمور، وهلكت معظم بساتين الحناء. الخطة الستراتيجية لتنمية محافظة البصرة التي شرعت بتطبيقها الحكومة المحلية خلال العام الماضي وتمتد لغاية عام 2015 تفيد بأن البصرة تمتلك ما لايقل عن (800) ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة، وتشكل هذه المساحة نحو (10%) من إجمالي مساحة المحافظة، فيما يبلغ المستغل من تلك المساحة (500) ألف دونم.
وتؤكد الخطة التي ساهمت بإعدادها منظمة الأمم المتحدة ان من أبرز التهديدات التي يواجهها الواقع الزراعي في العراق زيادة ملوحة مياه شط العرب مع تزايد تهديد تقدم اللسان الملحي، ومنافسة المنتجات الزراعية المستوردة من دول الجوار، والتصحر وزحف الكثبان الرملية على الأراضي الزراعية، وشمولية قانون الحفاظ على الثروة الهيدروكاربونية في ظل كثرة المكامن النفطية.
عبد الرزاق الخالدي من اهالي ابو الخصيب تحدث بمرارة عن الانهار وحالها اليوم وكيف كانت قمريات العنب تصل الى نصف النهر، وكيف كانت الابلام الطويلة تسير تجاه ام البارين وام الخصاصيف وغيرها من جزر حتى تصل الى جسر السوق متأسفا ان الكثير من هذه الانهار تحولت الى مكب للنفايات والازبال تبعث روائح كريهة بدل روائح الشجر والماء .
خسارة النخيل
من جهته أعلن نقيب المهندسين الزراعيين في محافظة البصرة علاء البدران عن خسارة انتاج نحو ثلث نخيل البصرة البالغة (6) ملايين ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في جنوب المحافظة بسبب تأثيرات امتداد اللسان الملحي. وقال البدران في تصريح صحفي ان مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في أبي الخصيب والسيبة خسرت إنتاجها لأكثر من الف ومئة كم مربع زراعي في حين خسر قضاء شط العرب ما يزيد عن الفين وخمسين كم مربع من انتاجه الزراعي اضافة الى الاراضي الزراعي في قضاء الفاو فضلا عن خسارة مركز المحافظة وناحية الهارثة لنحو 11 الف كيلو متر مربع.
وأشار البدران الى ان مجموع ما خسرته البصرة من ايرادات محصول التمور بسبب ملوحة المياه وصل الى ثلاثين مليار دينار عراقي، وذلك في حال احتساب سعر ألف دينار لكل كيلو غرام من منتوج ما يقارب المليوني نخلة، مؤكدا على ان محافظة البصرة من أكثر المحافظات الجنوبية تضررا من امتداد اللسان الملحي.
يعاني العراق من نقص كبير في المياه قد يؤدي الى حدوث حالة من الجفاف في السنوات القادمة. جاءت هذه المتغيرات نتيجة لسياسات الاحتكار للموارد المائية التي تنتهجها الدول المتشاطئة لنهري دجلة والفرات وفروعهما، فضلاً عن المتغيرات المناخية وانحسار سقوط الامطار غير المعتاد التي شهدها فصل الشتاء في السنوات الماضية. وهذا ما نعكس بوضوح على نهري دجلة والفرات والاهوار مؤخرا التي تحولت الى شبه صحراء تتوزع عليها بعض الواحات. وتقدر تقارير مختصة ان كميات المياه المتاحة في العراق بحدود (77) مليار متر مكعب منها (29) مليار متر مكعب من نهر الفرات، ولكن الكمية المستغلة فعلاً هي فقط 25 مليار متر مكعب. ويؤكد الخبراء المائيون ان مجموعة كميات المياه المتاحة في العراق ستصل العام 2025 الى( 2.162) مليار متر مكعب. كما تشير الدراسات الى ان خسارة كل مليار متر مكعب من المياه تؤدي الى نقصان (26) الف دونم من الاراضي الصالحة للزراعة. وخسارة نحو (40) % من هذه الاراضي الزراعية جراء ارتفاع معدلات الملوحة في مياه الفرات. الامر الذي يؤكد ان المستقبل القريب سيعلن خسارة العراق واردات نهري دجلة والفرات. وتشكل المشاريع التركية المشكلة الكبرى حيث سعت تركيا الى بناء قرابة عشرين سداً عملاقاً ومنظومة محطات كهربائية كبيرة اطلق عليها مشاريع (الغاب " AP" على ضفاف نهر دجلة في جنوب شرقي تركيا، وتمر هذه المشاريع عبر المناطق (اجي، يمات، دياربكر، غازي عينتاب، لكس، سيرت، شاتلي، أدرنة) ويتوقع الخبراء العالميون ان هذه المشاريع في حال اكمالها ستحرم العراق وسوريا من نصف مواردهم المائية وتعرض المنطقة الى جفاف حاد.
أما ايران التي لم تقم بانقاص المياه فقط بل قامت بقطع العديد من الانهار المغذية لدجلة وشط العرب مثل الكارون والكرخة ودوريج والطيب ونهر الوند الذي يصب في نهر ديالى فضلاً عن قطع المياه عن الروافد الاساسية التي تغذي أهوار العراق ما أدى الى جفاف مساحات واسعة وأضرار بيئية فادحة وخرق للقانون الدولي وتغيرات في مناخ المنطقة وزيادة مساحة التصحر. ولابد من الأشارة الى ما فعله النظام السابق من تجفيف للأهوار لمواجهة احتمال احتماء المعارضة فيها وقد كان هدف التجفيف سياسيا بأمتياز، كانت هذه الأعمال تتسبب بتخريب كبير في طبيعة الأهوار وبيئتها ولم يقم أحدٌ بعد رحيل ذلك النظام بمحاولة جادّة لأصلاح الأمر بشكل كافٍ. كما تجب الأشارة ايضا إلى أن الدول تعمل الكثير في سبيل توفير المياه لزراعتها ولكن الزراعة في العراق ابتليت بالفساد المالي والأداري وبلصوصية السياسيين الذين انشغلوا بسرقاتهم ولم يحاولوا انقاذ ما يمكن انقاذه .. اذ كان الأولى بالحكومات المتعاقبة ان تقوم بانشاء عدد من الخزانات لتخزين المياه في حالات الزيادة خاصة في مواسم الأمطار ومواسم ذوبان الثلوج حيث تتوفر المياه بكثرة نتيجة عدم قدرة الدول المجاورة على تخزينها لكثرتها، إن خزانات كهذه بالأمكان ان توفر جزءا من الأحتياج في الأوقات التي تشح فيها المياه. إن إلقاء اللوم على الدول المجاورة فقط لا يعكس حرصا كافيا على بحث الأسباب وبالتالي رسم الطريق الأمثل للعلاج. وربما يبدو غريبا أن يفكر المرء بأن سلوك الدول المجاورة يعتمد كثيرا على مستوى التطور بالوضع العراقي وتماسك جبهته الداخلية وكذلك نموّه الأقتصادي، كل هذه العوامل تجعل من مطالبة العراق لدول الجوار باحترام القانون الدولي لتقاسم المياه في دجلة والفرات , مطالبة واقعية ومن الممكن ان تجبر تلك الدول على احترامها أما وحال العراق هذا الذي نشهده من فوضى ولصوصية وفساد فإنه يجعل من الغريب ان تستجيب اية دولة مجاورة لأي مطلب من مطالبه مهما كان طبيعيا وقانونيا. الشيء الآخر اغلب الكتل السياسية والاحزاب المتنفذة بالسطلة لديها علاقات وارتباطات دينية مذهبية مع مصادر المياه الداخلة للعراق، ترى الا يمكن استثمار تلك العلاقات مرة واحدة لصالح العراق ومستقبل ابنائه، ام ستبقى مقتصرة على فتح الحدود امام البضائع والسلع خاصة التركية والايرانية، ووقف المعامل الانتاجية العراقية اكرما لتلك البضائع التي تستنزف مليارات الدولارات سنويا.
|