شفاهٌ صفيقةٌ.. قصة قصير.. فلاح العيساوي


ذلكَ الصَّمت الَّذي كانَ يكسوها تناثرَ مثلَ قطراتِ المطرِ، أفاقت على لحنِ ِ الكلماتِ العاريةِ إلَّا من خجلِ الانوثةِ، ضربتْ وجهَ الأرضِ بخلخالِها المترنحِ كأنَّه سكيرٌ يتراقصُ في حاناتِ الَّليل، ألقت جسدها الغضّ فوقَ سريرِ السَّهادِ، حزنٌ يفورُ بالمُقلِ، بدأ ينسابُ نحو وادي الواقعَ، أخيراً أطلقتْ زفراتِها النَّاريةَ مثلَ حممِ البركانِ الهادرةِ، سمحتْ لدموعِها أن تسيلَ جداولَ فوقَ صحراءِ خديّها
ذلكَ المشهدُ من فلمٍ خرافيّ بقي عالقاً رغمَ الصَّراع.. تلطمُ على وجهِهِا وصدرِها لعلَّها تصحو، تفيقُ من كابوسِها المرعبِ حدّ الجزعِ، يداه تداعبُها.. تلاعبُها.. تجردُها من أحلامِها البريئة
شفتاهُ تلتهمُ شفتيها الَّلتين كانتا بطعمِ ولونِ الفراولةِ، تنهارُ بين ذراعيهِ كأنَّها قطعةُ حريرٍ تلامسُ حواسَ الجَسدِ. تاهتْ في انعدامِ الذاتِ وتشابُه الاحداثِ.. تسألُ نفسَها المحطمةَ، تنهالُ الصّورُ في ذاكرتِها المضطربةِ، هل كان يجردُها من عفتِها.. أم كاَن يغتالُ روحَها العاشقةَ
دخلتْ أمُّها وجلستْ إلى جانبِها، حضنتْها ووضعتْ رأسَها فوق صدرِها الدافئِ, قالتْ
ــ أبنتي الحبيبةُ إلى متى تكتمينَ سببَ حُزنكِ، زوجكِ أتصلَ بنا عشراتِ المرَّاتِ وأنتِ ترفضينَ الحديثَ معه؟. دموعُها تتناثرُ، شهقاتُها تتصاعدُ، كأنها تصارعُ الموتَ
ــ بنيَّتي الغاليةُ ارحمي ضعفي وخوفي عليكِ.. حمِّليني همكِ، تنفسي بعض الرَّاحة، هل زوجكِ ضربكِ أو جرحكِ بكلمة..؟؟ 
 تأوَّهت وخرجَ صوتُها كأنَّها حمامةٌ مذبوحةٌ
ــ أمُّي باللَّه عليكِ لا تسأليني عن ألمي.. ولا تذكري اسمَ هشام أمامي مطلقاً
ــ حبيبتي لكِ ما تحبينَ لكنْ حاولي أن تهدَأي وتخلدي للنومِ
وضعت رأسَها فوقَ وسادتِها وسرحتْ في ذكرياتِ الشُّهور الماضيةُ، نظراتٌ متبادلةٍ، تحولتْ إلى إعجابٍ، جمالُها ورقتُها تثيرُ غريزةَ الرِّجالِ من أمثالهِ، عينانِ ناعستانِ، شعرٌ بلونِ الزَّعفرانِ حريريُّ الملمسِ، هيفاء كأنَّها غصنُ بانٍ، تجيدُ سرقةَ القلوبِ من أوعيتِها، تقتنصُ الَّلحظةَ المناسبةَ، تصطادُ فريستهُا بسهامِ لحاظِها السَّود
لم تكنْ تعرفُ أنَّها تلبّي طموحاتِه وتطلعاتِه وحبّ الذَّات والتَّملُّك... سيدتي الرَّائعة عيناكِ ينبوعُ أنثوي ينضحُ بالعبيرِ، روعتك لا تقاومُ، قلبي سقطَ أسيراً في لحاظِ عينيك، روحي جذبَها جمالُك وحلاوُة قدَّكِ الجلنار. كلماته السَّاحرةُ سرقتْ منِّي تلافيفَ عقلي، أعمتْ بصري وبصيرتي عن رؤيةِ سلبياتِهِ، هواي قادني نحو تيَّاراتِ أمواجِه المتلاطمِة، عواصفُ حبّي الهوجاءُ أجبرتْ والدي, فاقترنت به، والدي لا يطيقُ النَّظر في وجهِهِ المظلمِ الكالحِ
على زقزقةِ َالعصافير الجميلةِ ومع بزوغِ الفجرِ قامتْ من فراشِها، غسلتْ وجهَها، ارتدتْ ثيابَها، تعطرتْ وخرجتْ إلى المتنزهِ القريبِ من دارِ أهلِها،
 جلستْ تراقبُ شروقَ الشَّمسِ، وجمالَ أشعتِها الفضيةِ. بغتةً جلسَ أمامَها، ذُهلتْ، تسمَّرتْ فوقَ الكرسي، وضعتْ يديّها على وجهِها وقالتْ
ــ أرجوكَ أغربْ عن وجهي لا أريدُ رؤيتَك
ــ حبيبتي أرجوكِ أسمعيني
ــ ماذا أسمعُ.. وأنا من شاهدَ تلكَ البلهاءَ بين ذراعيكَ وفي أحضانِك، هي تشبهني جداً بغبائِها، لكنْ من تكون.. ومنذُ متى تعرفتَ عليها..؟ 
 ــ حبيبتي أرجوكِ سامحيني إنَّها نزوةٌ عابرةٌ، وستبقين انتِ بحياتي
ــ لا أتصورُ إنَّها نزوةٌ؛ طالما اقترفتها مع نساءٍ كثيراتٍ
ــ أرجوكِ سامحيني إنَّها الأخيرةُ، وسوفَ تَبقين الأولى في حياتي
ــ بل أنا لستُ أوّلَ غبيّةٍ أعطيكَ ما رَامَ أمثالُك من الرِّجالِ، ولنْ أكونَ الأخيرةَ فالغبيّاتُ من الجميلاتِ أمثالي كثُر
أدارتْ ظهرَها إليه، وظلَّ الأمل يحومُ حول نسيانِ ذاكرة الجسد.