عرف المسلمون الاوائل الذين هاجروا الى الحبشة ثم بعد ذلك الى المدينة المنورة باصحاب الهجرتين من امثال جعفر بن ابي طالب وزوجه اسماء بنت عميس , فروا هؤلاء حفظا لدينهم وحمايبة لانفسهم من الاذى والظلم الذين لاقوه على ايدي كفار قريش في مكة المكرمة ... كما يقال التاريخ يعيد نفسه من جديد فبعد الحروب العبثية التي افتعلها النظام البعثي في فترة الثمانينات مع ايران وفي بداية التسعينات مع الكويت وماخلفته من قتلى ومعاقين من الشباب وبعد الحصار الاقتصادي الذي فرض على الشعب العراقي من قبل المجتمع الدولي والبطش والارهاب والعبودية التي مارسها النظام الجائر على العراقيين , اضطر الالاف من الشباب ان يهاجروا الى سوريا والاردن وليبيا , بعضهم طلب اللجوء في دول اجنبية وفي ابعد مكان بالقارة الاسترالية ... لقد تعرض هؤلاء الشباب الى الاغتراب ومفارقة الاهل والاحبة والعيش على حد الكفاف في ارض لم يكن لهما فيها لا قريب ولا نسيب وربما لا معتقد ولا دين , تحملوا هذه المصاعب والمتاعب ليفروا بكرامتهم وليحموا انفسهم وليسدوا رمق جوعهم , رحتلهم بالهجرة لم تكن يسرة بل كانت عسرة محفوفة بالمخاطر , فالاجهزة الامنية الاردنية كانت تلاحقهم وتعيديهم مكبيلين الى العراق ... تحملوا هذا كله لان هناك امل يحدوهم بالرجوع في يوم ما الى بلدهم الام ليعيشوا بين اهلهم وياكلوا من ثمرات ارضهم ... تحقق هذا الحلم بسقوط النظام الذي كان كابوسا يلاحقهم في نومهم ويقضتهم , فرجع الالاف منهم من الذين تحملوا مرارة الغربة وضنك العيش الى حضن الوطن الدافئ من جديد ... لكن الفرحة لم تدم طويلا حيث بدات مرحلة سوداوية لم تكن في الحسبان بدخول الالاف من العربان المصرين والسودانيين والسعودين والاردنين بعد ان وجدوا الحواضن عند ثلة من العراقين الطائفين وبائعي شرف الوطن بالمال ليساعدوهم في تنفيذ العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة في مؤسسات الدولة المدنية ( كهرباء وماء ومدارس ومستشفيات )كما استهدفوا الناس الابرياء والفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم في اماكن تجمعهم وها هي السنة الحادية عشرة وهذا المشهد الدموي يتكرر يوميا ( موتى – معاقين – ايتام – ارامل – امهات ثكلى ) ... اربع حكومات تدعي الشراكة الوطنية ولكن في حقيقتها هي شراكة طائفية ومحاصصة حزبية على المكاسب والمناصب للطبقة السياسية والاحزاب المتسلطة فكان نتيجة ذلك ان 30% من الاراضي العراقية اصبحت تحت سلطة داعش في المثلث الغربي , ومنطقة وسط وجنوب العراق لم يرى فيها الا سوء الخدمات والمرض والفقر والبطالة بين الشباب من خريجي الجامعات على مدى اكثر من عشر سنوات مما جعلهم يعيشون حالة الياس والاحباط ويفكروا جديا في مغادرة العراق ولكن هذه المرة هجرة دون عودة , انها نوع من الانتحار عندما يقدم شباب في مقتبل العمر لركوب ظلمات البحر الهائج او اجتياز الاسلاك الشائكة المكهربة لحدود الدول الاخرى , الشباب هاجروا دون ان يحملوا مستمسكاتهم الثبوتية وكانهم تخلوا عن الجنسية العراقية الى الابد , توقعوا في مدينتي الصغيرة هاجر منها 70 شخصا ومن بغداد وحدها اكثر من 2000 اما البصرة فالذين غادروها فعددهم كبير ومرعب ,هل تعلمون الكارثة الكبرى ان 25% من طالبي اللجوء الى الاتحاد الاوربي هم عراقيون , وهنا نتساءل على من تقع مسؤولة الهجرة الجماعية لثلة من الشباب العراقي ؟ اليس هم من وجدوا انفسهم ضحايا لداعش والارهاب وسوء ادارة الحكومة ، ولهذا خاطروا بأرواحهم وهم يدركون انهم قد يكونوا فريسة لامواج البحر وجشع تجار الموت...من يتحمل مسؤولية من غرق منهم واكلته حيتان البحر بعد هروبه من حيتان الفساد ؟ لماذا لم يهاجر شباب من الكويت والسعودية وقطر والامارات بل حتى من ايران ؟ الم تكن هذه الدول غنية ونفطية مثلنا؟ فلماذا نفطنا اصبح شرا علينا وخيرا لغيرنا؟ ... هل سيكتب التاريخ وصمة عار في جبين من كان سببا لهجرة شبابنا وفلذة اكبادنا ؟ واخيرا سيخلد التاريخ ميركل الانسانة والقديسة التي ذرفت دموعا على حال المهاجرين وعلى الذين غرق منهم وها هي تفتح حدود بلدها امامهم وتستقبلهم بكل حفاوة وتكريم وانسانية لذا فالتاريخ يجب ان يخلدها كما خلد من قبلها النجاشي لموقفه الانساني من المسلمين الاوائل باستقبالهم ورعايتهم وحمايتهم من ظلم طغيان كفار قريش .
ويبقى السؤال الذي لابد من طرحه هل يستطيع سياسي عراقي أو عربي واحد ان يقدم للمهجرين والمهاجرين من ابناء وطنه مثل ما قدمته ميركل المستشارة الالمانية وستيفان رئيس وزراء السويد ؟ الم نقل عنهم هم كفار ونحن مسلمون ؟ الظاهر حكام العرب الكفار وهؤلاء مسلمون .