ارتبط موضوع الصحة بالنظافة والمحافظة عليها خاصة في المشافي الصحية والمستوصفات والمراكز الصحية، لكن ما يحدث فسي مستشفيات العراق شيء آخر، إذ لا تخلو مستشفى عام او اختصاص من تكدس النفايات والأوساخ وبقية المستلزمات والأدوية الكيمائية الأمر الذي يشكل خطراً مزدوجاً على صحة المرضى والاطباء والمراجعين. قلق يرواد العديد من المهتمين والحريصين على تقديم افضل الخدمات الصحية للمواطنين جراء قرار تقليص مبالغ عقود التنظيف للشركات العاملة في المستشفيات الحكومية بالإضافة الى تقليص مبالغ التغذية ضمن سياسة التقشف التي اتخذتها الحكومة لعموم مفاصل الحياة ، لكن هل يُعقل ان يشمل هذا التقشف اهم قطاع يرتبط بشكل مباشر بصحة المجمتع والفــرد؟
فسخ العقد أفضل احمد سعيد منفي صاحب شركة تنظيف يوضح لـ(المدى) أنه تعاقد مع ادارة مستشفى الصدر العام في مدينة الصدر بعقد قيمتة (24) مليون دينار من خلال تشغيل (105) عمال تنظيف بعمل متواصل (24) ساعة التي يتم من خلال هذا المبلغ دفع (190) الف دينار كراتب شهري لعامل التنظيف. مبينا ان الادارة قررت تخفيض مبلغ العقد الى (14) مليون الامر الذي يعني تقليص عدد العمال الى (60) براتب شهري ما بين (140 – 150) الف دينار وهذا سيوثر بشكل كبير على اداء الشركة والتزامها ببنود عقد التنظيف.
واضاف منفي: ان العقد الزم الشركة بشراء جميع المستلزمات الخاصة بامور التنظيف والمتضمنة المساحيق والمنظفات والمواد المعقمة وهناك ايضاً استقطاعات الضريبة والضمان الاجتماعي، لافتاً: ان هذا التقليص يضر بالشركة من جميع الجوانب معلنا انه يفكر بفسخ العقد لو بقيت الامور على هذا المنول. نفايات الزائرين
مدير شركة تنظيف رفض الكشف عن اسمه تم التعاقد مع شركته لتنظيف مستشفى الجملة العصبية اشار إلى أن هناك (85) عاملا يعملون فى المستشفى بضمنهم العمال الأجانب وعلى مدار( 24) ساعة بقيمة عقد مبرم بلغت (15) مليون دينار، منوهاً الى وجود نية لتقليص قيمة هذا العقد من قبل المستشفى بسبب إجراءات التقشف.
وأوضح مدير شركة التنظيف: ان طبيعة المستشفيات الحكومية معروفة للجميع بحجم واعداد المرضي والزائرين ومقدار النفايات التى ترافق الزائرين والمرضي فهل من المعقول ان نجد مستشفى نظيفاً فى ظل إجراءات التقشف الحالية ؟
خــط أحمـر
عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية د. صالح الحسناوي أشار لـ( المدى) أن التنظيف فى المستشفيات الحكومية خط أحمر لا يمكن ان تتخذ اجراءات التقشف عليه، لأهمية هذا الموضوع وارتباطه بأداء الملاكات الطبية العاملة، مبينا: انه يجب ان نفكر بخطوات اكثر تطويراً واستخدام الأساليب الحديثة والممكنة الخاصة بحماية البيئة.
واضاف الحسناوي: علينا ان لا نفكر ابداً بإجراءات تقشف وتقليل أعداد العاملين في هذا المجال، الذي يرتبط بشكل مباشر بصحة المريض خاصة في المستشفيات التي تجرى فيها عمليات جراحية تكلف الدولة مبالغ كبيرة. مستطرداً: انه فى حال عدم وجود شركات متخصصة فى التنظيف او تقليص أعدادها ستخلق مشاكل جانبية يمكن ان تصيب المريض نفسه بمضاعفات وربما يتوفى فى حال حصول تلوث اوغيرها من الامور المتعلقة بادامة التنظيف الذي يبداً من صالة العمليات وينتهي بالسرير الخاص بالمرضى وصولا الى الاستعلامات والباب الخارجي للمستشفى.
شركة إيطالية
نائب محافظ كربلاء علي الميالي، حذر من تراكم النفايات في أغلب مستشفيات المحافظة، ما يخلف منظراً غير حضاري إلى جانب الأضرار البيئية والصحية. وقال الميالي في تصريح صحفي: طالبنا بتوفير كابسات لرفع النفايات في مدينة الحسين الطبية نتيجة تراكمها بسبب تأخير آليات البلدية وكثرة انقطاع التيار الكهربائي خاصة وان هذه النفايات الطبية تخضع لعملية ثرم داخل أجهزة كبيرة ويتم تعقيمها تجنباً لانتقال إمراض سرطانية نتيجة عملية نقلها. موضحا: ان تأخير بقاء هذه النفايات في المستشفى يعكس منظراً غير حضاري إلى جانب الأضرار البيئية والصحية حيث تنتقل من خلالها مختلف الأمراض والأوبئة.
ودعا نائب المحافظ إلى تضافر الجهود من قبل الدوائر ذات العلاقة للقضاء على هذه الظاهرة، مؤكداً أن شركة "شيزا" الإيطالية هي الجهة المتعاقدة مع وزارة الصحة بخصوص رفع النفايات الطبية من المستشفيات ولكن اغلب مستشفيات المحافظة بما فيها مستشفى الهندية تعاني من المشكلة ذاتها.
دفعات من الموازنة
المتحدث الرسمي لوزارة الصحة وكالة د. رفاق الأعرجي أوضح لـ(المدى) أن سياسية التفشف التي عملت بها الحكومة أثرت بشكل كبير على جميع المؤسسات والوزارات الحكومية وخططها الاستثمارية وغيرها. مضيفا: اما فى وزارة الصحة فأخذت حيزاً كبيراً فى أداء الوزارة وان اجراءات ولجاناً شُكلت لهذا الغرض بغية ايجاد الحلول المناسبة والعاجلة فى حل المشاكل التي ستحدث بسبب هذه الاجراءات. الأعرجي اشار الى ان الوزارة لم تستلم الموازنة المقررة لهذا العام حتى الان ، بل هناك دفعات تصلنا ضمن الموازنة المقررة. واسترسل الأعرجي: وبشأن النقص الحاصل في الاموال المخصصة لخدمات التنظيف في المستشفيات الحكومية وتقليل حصص التغذية فقد اثرت بشكل كبير على سير الخدمات والتنظيف مما يتطلب الاعتماد على الملاك وتفعيل دور المطابخ والتفكير ببدل نقدي لتغذية الاطباء. مشيرا: الى أن الوزارة تسعى الى إيجاد حلول عاجلة لحل جميع المشاكل الحاصلة بالخدمات وتوفير الادوية وهناك تفهم واضح حول طبيعة سياسة التقشف وأن المشكلة ليست مناطة في وزارة الصحة فقط .
إنهـاء الخدمات
حسين جلوب عامل نظافة فى احد المستشفيات يوضح ان راتبي لا يتجاوز (200 ) الف دينار شهريا لوقت عمل منذ الساعة السادسة صباحاً وحتى الساعة الثالثة ظهراً ، مبينا: ان اجور النقل تأخذ الجزء الاكبر من الراتب فى حين نشكو وباستمرار من التهديد المتكرر بانهاء الخدمات من قبل صاحب الشركة او الاداري المسؤول فى المستشفى والآن يريدون ان يخفضوا الراتب مع زيادة ساعات العمل.
كارثة بيئية
مجلس محافظة ذي قار هو الآخر حذر من زيادة تراكم النفايات في مستشفيات المدينة بعد تسريح عمال التنظيف بسبب الازمة المالية وسياسة التقشف، داعيا: وزارة الصحة الى معالجة الازمة بأسرع وقت ممكن .
وقال عضو المجلس داخل راضي بتصريح صحفي: نطالب وزارة الصحة الالتفات الى مستشفيات ذي قار لما تمر به من ازمة هذه الايام في زيادة وتراكم النفايات فيها بعد تسريح عمال التنظيف .مضيفا: ان جميع المستشفيات الحكومية في المحافظة تعاني من تراكم النفايات فيها خصوصا مستشفى الحسين التعليمي العام الذي قد يتعرض الى كارثة بيئية وتلوث كبير اذا ما بقي الحال على ما هو عليه .
خطـر أخــر
كما أبدى مراجعو بعض المستشفيات الحكومية، امتعاضهم من تراكم النفايات والاوساخ داخل ردهات المستشفى والممرات والحمامات الصحية التي باتت بوضع مزرٍ جداً، وقال المواطن خالد جياد: للاسف بات شكل المستشفيات لا يختلف بشيء عن الشوارع والساحات وحتى الأسواق من خلال تراكم وتزايد النفايات في اروقة الكثير من المستشفيات الحكومية. مبينا: ان هذا الامر بات خطراً آخراً على صحة المريض اذ تكثر القوارض والحشرات جراء تركم النفايات والاوساخ!
أم سهاد التي رافقت ابنتها التي على وشك الولادة فقد بينت : الحال لا يسر أبداً بعد أن رضينا بسوء الخدمات المقدمة وتقاعس بعض الاطباء والطبيات من اداء واجبهم الانساني، نجد اليوم تراكم النفايات وبقايا المستلزمات الطبية في شتى ارجاء المستشفى. لافتاً أنه اضطرت الى إخرج ابنتها من الردهة بعد شاهدت كماً من النفايات في الممرات والردهات.
حدود الاستيعاب
الدكتور الاختصاص المتقاعد غانم المرسومي يوضح لـ(المدى) أن جميع المستشفيات العاملة في البلاد تعمل وفق طاقة تفوق جميع الامكانيات بسبب الكثافة السكانية لعموم محافظات البلاد وعدم فتح مستشفيات جديدة منذ عقود. مبينا: انها تعمل وفق طاقات مضاعفة من خلال اعداد المراجعين التي تصل احياناً بالآلاف للمستشفى مثل الكندي واليرموك ودائرة مدينة الطب. مشيرا الى ان طبيعة هكذا زخم في المستشفيات ستحصل مشاكل منها ترك المخلفات الخاصة بالمراجعين، متسائلا: كيف سنحصل على إدامة ونظافة في حال تقليص اعداد العاملين في جانب الخدمات؟
التصريح الصحفي
العديد من الاطباء وبعض مدراء المستشفيات رفض التحدث عن هذا الموضوع مطالباً ان يكون هناك تخويل رسمي يصدر من الدائرة المعنية السماح لمدير المستشفى او الطبيب العامل التحدث لوسائل الإعلام كون هناك توجيهات بهذا الخصوص. في حين يرى احد العاملين في مستشفى الواسطي ان هذا الصرح الكبير والمعروف على مستوى الوطن العربي وحجم الاموال التي صُرفت على المستشفى والتي تجاوزت المليارات يفتقر الى الادارة الثابتة فهناك تغيير مستمر في المدراء والكادر العامل يرغب بخدمة المواطن لكن ترى هناك اشكاليات ليس من اختصاص الكادر منها تقليل أعداد العاملين في مجال الخدمات للشركات المتعاقدة والمتخصصة في مجال التنظيف كذلك مشكلة التغذية والاخرى في مجال الاعداد الكبيرة التي تتوافد على المستشفى والتي تصل أحياناً الى أرقام كبيرة!
مديونية المستشفيات
الدكتور الصيدلاني معتز عبدالامير يقول لـ(المدى) ليست مشكلة تقليص أعداد العاملين والشركات المتخصصة في مجال التنظيف، بل هناك مشكلة يعاني منها معظم إدارات المستشفيات والمتمثلة في شراء أدوية ومستلزمات من القطاع الخاص ولم يتم دفع المبالغ التي تجاوزت المليارات، مشيرا: الى ان هناك زخماً على المستشفيات من ضحايا وجرحى القوات الأمنية والحشد الشعبي والنازحين، مؤكداً أن على الدولة تأمين المبالغ المطلوبة للقطاع الصحي وان التعامل معها يجب ان يكون خطاً أحمراً، ويجب إجبار الوزارات الأخرى على تقديم جزء من الميزانية الى وزارات الدفاع والداخلية والصحة، وهناك تجارب عديدة عاشها العديد من مجتمعات دول العالم في هذا المجال.
33 مليون مواطن
المواطن سيف سجاد مراجع مصاب بكسر في الساق الأيسر نتيجة تعرضه لحادث سيارة يوضح ان من العجائب ان نشاهد هذا الزخم على دكتور اختصاصي في مستشفى حكومي وهناك نقص فى الكوادر العاملة، مشيراً الى حرص الأطباء على تقديم أفضل الخدمات والعناية بالمرضى لكن الإمكانيات ضعيفة، لافتاً إلى ان وزارة الصحة تتعامل مع 33 مليون مواطن عراقي ابتداءً من الأم الحامل ورعاية الأمومة وانتهاءً بالرجل المسن اضافة الى مشاكل البلاد خاصة الأمنية.
|