شاهدت جاري مهموماً ومغموماً وهو يتمتم بكلمات بالكاد استطعت فهم القليل منه لأنه كان يريد نقل اثاث ولده الذي يسكن في منطقة اخرى الى داره الواقعة في قاطع الكرخ وضمن حدود مجلس بلدي واحد، بسبب هجرته المفاجئة مع عائلته الى اوروبا والاب لا يريد ان يبيع اثاثه متاملأ عودة ابنه وعائلته فالمفاجآت كثيرة في العراق. الحصول على موافقات تسمح بنقل الاثاث يدخل في الروتين الممل والمراجعات التي تستمر لايام عدة. قصة جاري قادتني الى البحث عن خفايا وطرق اخترعت لنقل الاثاث تهربا من الاجراءات القانونية والادارية المرهقة والتي يستوجب تنفيذها سلسلة أوراق رسمية مثل عقد الإيجار والمستمسكات الثبوتية الأربعة له ولصاحب البيت الذي سينتقل إليه وشاهدين من المنطقة، ثم عليه التنقل بالمعاملة من المجلس البلدي وقيادة عمليات بغداد ومقر فوج الشرطة والسيطرات الأمنية في المناطق والشوارع.
الحـل بالستوتة الكثير من المواطنين البغداديين يعانون من مشكلة الموافقات الأمنية المطلوبة لنقل الأثاث من منطقة إلى أخرى ضمن مدينتهم، والتي تأخذ إجراءاتها جهدا وتكلفة مادية ووقتا طويلا لإكمالها ويحتاج الراغب في نقل أثاث بيته من مكان إلى آخر إلى الحصول على موافقات عدة جهات أمنية حكومية منها قيادة عمليات بغداد وقوات الشرطة الاتحادية ضمن المناطق السكنية المختلفة إضافة إلى إجراءات إدارية مرهقة. فما كان امام الناس الا ابتكار بعض الطرق للخلاص والخلاص من هذه التعقيدات التي لا فائدة منها.
الستوتة بما تقدمه من خدمات في تنقل الناس استخدمت هذه المرة بالخلاص من الاجراءات والتعقيدات بنقل الأثاث. المواطن جمال محمد من سكنة منطقة حي الجهاد تحدث لـ(المدى) كيف استخدام الستوتة لنقل اثاث منزله وكيف تحمل عناء الذهاب والاياب لمرات عدة على ان يذهب ويحصل على موافقة المجلس البلدي ومن ثم المحافظة وبعدها عمليات بغداد الخ... من سلسلة موافقات، مضيفا: قمت بتأجير ستوتة صديق ابني بمبلغ خمسة آلاف دينار للنقلة الواحدة وفعلا تمت عملية النقل بنجاح ومن دون مضايقات امنية ولا حتى الوقوف في السيطرات حيث لا يُسأل عن ما يحمله صاحب الستوتة إذ يعتقد رجل الأمن انه اثاث بيته او قديم ويريد بيعه في السوق. المهم حتى غرفة النوم كان نقلها على مرحلتين وتجنبنا لعناء الموافقات وما يرافقها من ازعاجات جمة.
بينما كان نورس حسين اكثر حرصا في نقل اثاثه باستخدام الستوتة ايضا ولكن بطريقة مختصرة هذه المرة عندما طلب المؤجر منه تسليم الدار الساكن فيها، او زيادة مبلغ الايجار. فضل نورس الانتقال الى بيت لكن في الفروع القريبة الواقعة في المنطقة نفسه بسبب إجراءات النقل التي تجعل المواطن في موقف لا يحسد عليه والانتظار لوقت طويل حتى يحصل على موافقة نقل الاثاث نورس حمل كل ما يملك من اثاث بالستوتة ولمراحل عدة وبأي وقت شاء ليل نهار ومن دون خوف من ان يسأله احد من رجال الأمن والشرطة (وأين أوراق الموافقة على النقل؟)
شهر أو وساطات
بينما نرى الكثير من الشاحنات الكبيرة محملة باثاث المواطنين تصطف عند اغلب سيطرات بغداد الرئيسة ولا يسمح لها بالدخول لعدم حصولهم على موافقة نقل اثاث وهذه المعاناة كانت لأغلب القادمين من المحافظات والمناطق التي شهدت توترات امنية كبيرة وهنا كان رأي احد ضباط سيطرة الشعب التي تشهد طابورا طويلا من السيارات المحملة بالاثاث ويدعى ابو قاسم ان الاجراء ضروري تطبيقه من اجل الحفاظ على الامن وهناك الكثير من الشاحنات وجد بداخلها وتحت الاثاث عبوات ناسفة واسلحة وتم القاء القبض على السائق ومن معه ولكن هناك ظروفا استثنائية وتسهيلات للعوائل النازحة ويتم تفتيش الاغراض والاثاث وبعد اكمال الاجراءات الامنية يُسمح لهم بالدخول .الا ان الوساطات لها دور في الأمر حتى وصلت الى معاملات نقل الاثاث وهذا ما عبر عنه المواطن احمد نزار الذي يسكن منطقة بغداد الجديدة ولديه (وساطة) في قيادة عمليات بغداد حيث اكمل اجراءات معاملة الانتقال بمدة اسبوع، لكن برغم ذلك تعرض لبعض المضايقات من قبل عناصر بعض السيطرات التي مرَّ عليها. اذ كان يتصل بأحد اصدقائه في عمليات بغداد او كما اسماه (الوساطة) الذي يتحدث مع العناصر الامنية التي كانت تعترضه.
التهريب والتهرب
الطريقة الاخرى التي على ما تبدو قليلة التطبيق بسبب قلة الاشخاص الذين يرغبون اتباعها حيث يقول ابو فلاح وهو صاحب سيارة نقل كبيرة ان اجراءات الحصول على الموافقات الامنية لنقل الاثاث اثر كثيرا على عملهم واصابه بالكساد، ولكن وجدوا طرقا ممكن ان يسلكوها ويمروا من السيطرات الامنية حيث يقومون بعمل وصولات لغرف النوم والاثاث (مثل اطخم القنفات) وبقية اثاث البيت التي يمكن حملها من دون مساءلة لكن حقيقة يوجد احيانا وليس دائما اتفاق مع احد رجال السيطرة لنقل اثاث مقابل مبلغ من المال ويتم ذلك ليلا ولكن هذه قليلة جدا ولا يفعلون ذلك الا لمن يعرفونه او يأتي الشخص عن طريق اشخاص يثقون بهم فهم ايضا اصحاب عوائل ولا يقبلون بأذية الناس وانفسهم لكن البعض منهم يعمل وفق مساعدة الناس او قضاء حاجة المحتاج مثلما يقول.
تسهيل الأمور
المتحدت الرسمي لمحافظة بغداد صباح زنكنه قال في تصريح لـ(المدى):ان محافظة بغداد تعمل دائما على تسهيل امور المواطنين بشكل عام ومسألة نقل الاثاث من ضمن ذلك. مبينا: ان هناك كتاباً موجهاً الى المجالس البلدية لتسهيل مهمة النقل وان تتبع الاجراءات القانونية في تنفيذها.
واضاف زنكنه: للاسف هناك بعض المواطنين يقوم بنقل اثاثه من منطقة الى اخرى من دون الحصول على موافقات امنية الامر الذي يضعه في مأزق عندما يريد استخراج بطاقة السكن فسوف يُسأل عن ورقة وموافقة التحويل وعليه اتباع اجراءات لاستخراجها وهي العودة الى المجلس القديم وسوف يمر بسلسلة اجراءات ادارية كان يمكن ان يستغني عنها لو حصل على الموافقات الامنية الاولى للنقل الاثاث بصورة صحيحة. موضحا: ان الموافقة لنقل المواطن تسجل في سجل موجود لدى كل مجلس بلدي مرتبط بدائرة الاستخبارات يسجل فيها حركة المواطن من والى المنطقة حفاظا عليه وعلى الوضع الامني للمناطق بشكل عام.
الكفيل في المحافظات
واسترسل المتحدث الرسمي لمحافظة بغداد بحديثه لـ(المدى): هذا بالنسبة للعاصمة، اما نقل الاثاث من بغداد الى محافظة اخرى ايضا يحتاج الى الموافقة ولتسهيل دخوله الى المحافظات الاخرى وعبور السيطرات ومن لم يتبع الاجراءات عندما يصل الى المحافظة المتوجهة اليها لا يقومون بإرجاعه انما ان يأتي شخص من المحافظة ليكفله حتى يسمح له بالدخول واذا لا يوجد احد عليه العودة الى العاصمة بغداد وابواب المحافظة مفتوحة لتلقي وتسهيل امور وقضايا المواطنين .
هذا القرار بدأ العمل به في عام 2005 تقريبا في فترة الانهيار الأمني والحرب الطائفية التي سادت العراق، وهو مستمر حتى الآن وبحجة الدواعي الأمنية خوفا من استخدام نقل الأثاث كغطاء لنقل المتفجرات في مناطق العاصمة أو لمنع سرقة أثاث البيوت التي تركها أصحابها وهاجروا إلى مناطق أخرى أو إلى خارج العراق خوفاً من الاستهداف الطائفي.
أيــام أو أسبوع !!
غالبا ما تجد العديد من الحافلات والشاحنات المحملة بأثاث المنازل متجمعة عند نقاط السيطرة المنتشرة في شوارع ومداخل المناطق السكنية في العاصمة او في بقية المحافظات، وذلك لعدم حصولهم على موافقات نقل أثاثهم، ويعود أكثرها للنازحين من المناطق التي تقع تحت سيطرة داعش، اذ لم يكن لديهم الوقت الكافي لمثل هذه الإجراءات.
الناطق الرسمي لقيادة عمليات بغداد سعد معــن قال لـ(المدى) إن اجراءات نقل الاثاث والانتقال المنزلي اجراء امني يحافظ على المواطن والمناطق في الوقت نفسه من اجل الحفاظ على الامن وعدم دخول غرباء. متسائلا: عن السبب الذي يجعل المواطن يتذمر من ذلك؟! مبينا: ان الامر لا يستغرق اياما واحيانا اسبوعا واحدا.
واعلن معن: ان المكاتب في منطقة الحارثية تستقبل وتسهل امور المواطنين لنقل اثاثهم من منطقة الى اخرى وفق اجراءات قانونية يراد منها الحفاظ على الامن. اضافة الى كشف عمليات السرقة التي يمكن ان تحدث. داعيا من يريد الانتقال من منزل الى آخر الى البدء بالإجراءات الاصولية قبل ان ينتقل بايام او اسابيع كي يحصل على الموافقة ويكون لديه متسع من الوقت يجعله ينتقل براحة من دون ان يتقيد بموعد محدد.
فساد ومحسوبيات
المواطن لطيف العزاوي بيـّن أنه قدم معاملة لنقل أثاث بيته من حي الجامعة الى العامرية بسبب بوجود منزل ملائم لعائلته. مشيرا إلى أن معاملة النقل استغرقت منه وقتا طويلا كلفه الكثير من الجهد والمال خاصة ان وضعه الصحي لا يمكنه من الانتقال بسيارة النقل العام. مبينا: ان المجال واسع للفساد المالي والاداري والوساطات والمحسوبيات التي شاهدت منها الكثير اثناء مراجعاتي التي استمرت قرابة شهرين.
واستطرد العزاوي: قدمت سلسلة ألاوراق الرسمية المطلوبة مثل عقد الإيجار والمستمسكات الثبوتية الأربعة له ولصاحب البيت الذي سينتقل إليه مع شهود من المنطقة وكتاب من المجلس البلدي. لافتا: الى انه ظل يتنقل بالمعاملة بين المجلس البلدي وقيادة عمليات بغداد ومقر فوج الشرطة والسيطرات الأمنية في المناطق والشوارع وكل من له علاقة بالامر لمدة شهرين. مستغربا: من تساؤل المتحدث الرسمي لعمليات بغداد بشان تذمر المواطن من اجراءات نقل الاثاث المنزلي من منطقة الى اخرى.
|