"هذا الشعب وحده طلع لا تركب الموجة" |
تحتمل مفردة "تهوية" معنيين، هما: صنع هوية، ونشر الهواء، وكلاهما يصحان على إثنتي عشرة سنة، مضت، من عمر التحول.. مسافة بينية، تمتد من الديكتاتورية، الى الديمقراطية.. إذ لا هوية خارج دفتي غلاف "الدستور" المكتوب، تطبق على ارض الواقع العراقي، المكتظ بزحام ساسة مفسدين تتدافع مصفحاتهم رباعية القطع للطرقات، نحو المغانم، تركين البلد لعبث الشيطان، يسوسه بالمفخخات ويدير شؤونه بالمشاريع الناكلة!
من ينظر للإثني عشر عاما، على أنها بلورة هوية، فهو مخطئ ومصيب في الوقت ذاته، مثلما أخطأ مصيبا، من ظنها حرث تمهيدي لـ "طش" بذور الديمقراطية؛ لأن العراق منذ 9 نيسان 2003 ولحد الآن من دون هوية واضحة.. إشتراكي ام علماني ام ليبرالي ام ديني ام مدني أم... ماذا!؟
فالعمائم منقوعة بصديد الفساد، ودعاة الليبرالية يمارسون أقصى حريتهم بالسرقة، والكل يوظف القيم المثلى.. المقدسة في إبتزاز الدولة، ولوي أذرع نصوص الدستور الإخطبوطية.. يكتفها بقوى أكبر من الدولة!
أرض سبخة وهواء فاسد وفضاء مجدب، هل ثمة متفائلون؟ بالخصب والنقاء والخضرة والوجه الحسن؟ بعد ان جرت الأحداث نحو إنعطافات حادة، مالت بها عن جادة الأهداف المبتغاة.
فئة قدمت زرافات وأفواجا، الى ساحة التحرير، تهتف بإهزوجة، تجير التظاهرات لزعيمها الروحي والعسكري، الذي تخبط طويلا وخلط الأوراق؛ ما إضطر المتظاهرون لمقابلتهم بالهتاف: "هذا الشعب وحده طلع لا تركب الموجة".
نهازو الفرص، أثروا سلبا على المواطن، الى درجة غائرة في نخاع العظم، مستهونا الهجرة غير الشرعية، المحفوفة بأسماك القرش، وأمواج البحر تتلاطم مثل قمم الجبال، والمهاجرون على ظهور عبارات من دون أسيجة، صنعت ليلهو بها نفران.. حبيب وحبيبته، في مسبح قصرهم الفاره، حملت عشرات العوائل؛ لتغرق بعد مغادرة الشاطئ ببضعة كيلومترات في عرض البحر،...
أهذا هو العراق النابع من سويداء القلب حنيا؟ يا قهر! فلا أم تحمينا، حين يخطف الخطر: "أنا الذيب وآكلهم"! كنا.. أيام الحكم البعثي، نردد: "الله وحده قادر على إنتشال الشعب العراقي من مخالب الطاغية" وبعد سقوطه تعلقنا بأهداب الأمل، فخاب ما أملناه، والآن تعلقنا بتظاهرات، إلتف عليها القرار الرسمي، حتى بدت "الإصلاحات" ثلاث رصاصات رحمة، الى عقل وقلب و... عجيزة المتظاهرين! فلا خبر جاء ولا وحي نزل... إذهبوا أنتم وهتافاتكم، إنا هنا.. خلف أسيجة المنطقة الخضراء قاعدون، نتمنطق بمتاريس دججت بالرجال والأسلحة الفتاكة، الكافية لحملكم على العدول عن المطالبة بالكهرباء وسواها، لكننا نرأف بكم فإشكرون!
جل ما يخشى ان يشكر المظلوم للظالم كونه لم "يكصي" به، و"أردن للمحطة إردود.. مخنوك بألف عبرة.. يراويني النهر موكاف حبنا وديرة العشرة" لأن بعض الشر أهون، من لصوص إستولوا على بنك "العراق" منذ إثني عشر عاما، ولم ترتوِ شهوة المال في نفوسهم الشرهة.
فالتظاهرات تتضاد مع من لصالح من، تاهت على الجموع، التي تأتي من كل فج عميق، تعلن براءتها من "قدس الأقداس" المستتر، لصالح واقع تطالب بإعلانه، وكل يبارك للآخر: "تظاهرة مقبولة" يرد عليه: "تقبل تظاهرك" و... تتسفه الأمور رويدا، وربما تتوقف، من دون تحقيق أهدافها، حالما يصل محركوها المستترون الى مرادهم.
|