عمالة الأطفال وتأثيراتها على المجتمع |
دائما في كل موسم اوفي كل شهر اوقبل حلول اي مناسبة فأننا جميعا على موعد مع جولة تسوق في ( الشورجة ) , ورغم اني من المدمنين على الذهاب الى ( الشورجة ) في كل فترة حتى لولم تكن لي جولة تسوق فيها , فمن خلال هذه الجولة اكتشف بها كل جديد , من البضائع وما طرأ من تغير في الاسعار الى وجوه البائعين الجدد في السوق اوالمارة والمتبضعين واحوال وحركة السوق والبيع والشراء وما ينعكس من اوضاع اقتصــــادية للعراق على الشارع . ولكني يوما بعد يوم اشاهد بصورة ملحوظة زيادة في عدد الاطفال العاملين هناك في السوق ,فابتداء من البائعين في (البسطيات ) والمحلات وبائع الاكياس ( العلاكه ) الى الحمالين , وبائعي المشروبات والمرطبات وقناني الماء , وانتهاء بملمعي الاحذية . كل هؤلاء في نسبة كبيرة منهم من الاطفال الذين لا تتجاوز اعمارهم 15 سنة , التي فرضت عليهم ظروفهم الاقتصادية اوالاجتماعية ودفعتهم الى سوق العمل وبصورة مبكرة , تاركين خلفهم مدارسهم وبيئتهم الطبيعية ( كأطفال ) . كذلك اضافت الاوضاع الامنية الخطرة التي يعيشها العراق والاعمال العسكرية والتهجير وزيادة عدد النازحين والمهجرين من هذه المشكلة . لقد اعتادت شوارعنا على ظاهرة ( عمالة الاطفال واطفال الشوارع ) والتي تشمل عمالة الاطفال والمتشردين والمتسولين ومنذ الحصار الاقتصادي الجائر الذي فرض على العراق عام 1990 ) ) وحتى هذا اليوم وهي في زيادة مستمرة . فتحولت من مشكلة على نطاق نسبي الى ظاهرة واسعة جداً تتضمن المخاطر المصاحبة لها ، إذ إنها ظاهرة منتشرة جداً ليس في مدينة واحد فقط بل في جميع المدن العراقية . إن ظاهرة عمالة الاطفال وبغض النظر على انها انتهاك صريح لحقوق الاطفال , الا انها مؤشر خطير يدل على نشاطات تقع خارج نطاق قوانين العمل وشروطه الاجتماعية . كما إنها في الوقت نفسة تتعارض مع التزامات وشروط ضرورية ومهمة للطفل على العائلة اوالمجتمع ، منها التعليمية والصحية والنفسية والاجتماعية . حيث تقع هذه الاعمال في اغلب الاحيان خارج الضوابط الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية . إذ إن الاطفال يمثلون الفئة العمرية الاوسع في المجتمع والاكثر حيوية وذات اهمية بالغة في حياة المجتمعات ، فهم يمثلون عماد الحياة ورجال المستقبل ، فالتفريط بهذه الفئة وفي حقوقها اوالتقصير في رعايتها , سيعكس خسارة جسيمة تتعرض لها المجتمعات كلما كبرت اوأزداد حجم هذه المشكلة اوالافة ( عمالة الاطفال) ، ومن هنا فقد اولتها المنظمات الانسانية على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي والمدني بالغ الاهمية والرعاية . وهي من اخطر المشكلات التي تواجهها مجتمعات اليوم والتي تتميز بتحديات متعددة المصادر والتي يأتي في المقدمة منها تزايد السكان (ارتفاع في الكثافة السكانية ) ، وكثرة الحروب ، والفقر والحاجة الى المال ، والنزوح والتهجير والهجرة . فكل تأخير اوتقصير للتصدي لهذه الآفة الاجتماعية ، يجعل الحلول صعبة المنال اومستحيلة ، ويدفع الاطفال والمجتـمع الثمن غاليا بسببها. اي ان تلك الظاهرة ( عمالة الاطفال ) تحدث خارج دائرة القبول الاجتماعي وشروط العمل الوطنية والدولية , بل وتتعارض مع المضمون الانساني لعملية التنمية الاجتماعية ، فهي إذن ظاهرة مركبة ترتبط عضوياً بالتحديات الآنية والمستقبلية وبوضعية التخلف التي تعكس ضعف وتواضع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية ، ولاسيما تلك المتعلقة بالطفولة . لقد عانى المجتمع العراقي مما يسمى بنظام العقوبات الاقتصادية الذي فرض عليه منذ بداية التسعينات ، وما ترتب على هذه العقوبات من آثار تدميرية على مختلف مؤسسات المجتمع ومناحي الحياة . مما دفع بعض العوائل اوالاباء اوالامهات بالزج بأبنائهم للعمل في المحلات والورش والاسواق اوفي الشوارع بسن مبكرة وذلك بسبب الظروف القاهرة والقاسية للحياة اليومية ، وان هذه الظاهرة برزت في المجتمع العراقي بصورة ملحوظة منذ ذلك الوقت (بداية التسعينات ) , وهي تعبر عن مدى عجز البنية الاجتماعية التي ينتمي اليها الاطفال العاملون عن البقاء والاستمرار من دون عمل هذه الشريحة العمرية ، وان هذا العجز يرتبط بمجموعة من العوامل تتشابك ويتداخل فيها الكثير من الاوضاع الخاصة والعامة . واذا عدنا الى سبب ارتفاع نسبة هذه الظاهرة بعد عام 2003 نجد ان من اهم هذه العوامل يأتي بقاء العائلة من دون معين بعد فقد الاب اوالام , وكذلك نتـــــــيجة الفقر والعوز التي بدأت مؤشراته بالارتفاع في النسبة يوما بعد يوم . كذلك وجود اباء يدفعون ابناءهم للعمل لكي يحصلوا على الاموال التي يقومون بتحصيلها . ان عمالة الاطفال ( دون سن15 ) يعني تسربهم من الدراسة ومنع التحصيل الدراسي , وهذا يعني ارتفـــــاع في نسبة الأمية . وكذلك تعرضهم لمخاطر العمل في وجودهم ببيئة قد تكون خطرة عليهم اوملوثة , مما ينتج عنه اصابة قد تكون دائمة , بسبب جهلهم بنوع العمل وطبيعته اولقلة في اجراءات السلامة والوقاية المهنية , ولعدم وجود برنامج تدريبي لهم يؤهلهم للعمل , اوتحملهم جهود بدنية قد تكون شاقه جدا بالنسبة لهم . وجود انتهاكات جسدية اولفظية اتجاههم من قبل اصحاب العمل ( الورش اوالمعامل اوالمحال ) بالتعدي بالضرب والشتيمة والالفاظ النابية ضدهم , ما يسهم في تأثيرات سلبيه على شخصياتهم في المستقبل , حيث سيكونون اكثر عدوانية واكثر في عدم الانسجام مع المجتمع الطبيعي . إن الاخفاق الذي اصاب كل الجهود التي بذلت للحد من ظاهرة عمل الاطفال يرجع الى ان هذه الجهود توجهت الى الظاهرة بذاتها ، وليس الى اسبابها التي تتحكم في وجودها وفي تحديد حجمها واتجاهاتها ، وبهذا خابت هذه الجهود في تحقيق النتائج المرجوة منها ، لان اسباب الظاهرة ظلت تفعل فعلها بعيداً عن اي مؤشرات تحد من فاعليتها ، عليه فانه يجب وجود ستراتيجية وطنية تهدف الى الحد من عمل الاطفال ، فان هذه الستراتيجية يجب ان تقوم على التأثير ايجابياً في الاسباب المنتجة لهذه الظاهرة ، ولهذا فان الدعامات التي يجب ان ترتكز عليها هذه الاستراتيجية , وهي معالجة الفقر والعوز والبطالة للكبار وبناء شبكة حقيقية وفاعلة للضمان الاجتماعي الذي يهتم بالأطفال والاسر التي تعتني بهم .ومعالجة مشكلة التسرب من المدرسة للفئات العمرية دون 18 سنة بالارتقاء بواقع التعليم وفرض استمرار الاطفال بالدراسة ومن تسربهم منها وذلك عن طريق جذبهم للدراسة وترغيبهم بها , ووجود مناهج دراسية تراعي طموحهم وتنمي معارفهم العلمية والفنية وتنمي شخصياتهم . وتعريف المجتمع بمخاطر ظاهرة عمالة الاطفال , حتى تكون واضحة المخاطر امامهم , وانها قتل للطفولة وتعريضهم للمخاطر والاصابة ( الجسدية والنفسية ). كذلك تطبيق القوانين والتشريعات التي تحد من هذه الظاهرة بعد معالجة اسبابها.
|