ثورة ايلول والنهوض الكوردستاني |
بعد إنطلاق ثورة تموز 1958 وكتابة الدستور العراقي الذي أكد على شراكة الكورد في الوطن، وعودة البارزاني الخالد ورفاق دربه النضالي من الاتحاد السوفيتي السابق والحرية النسبية التي سادت في العراق، إستبشر الكوردستانيون خيرا وتوقعوا ترسيخ واقع جديد يرفع الحيف عنهم ويمحو الإجحاف والتجاهل المتعمد ضدهم. في الواقع الجديد روج النظام أنه يريد أن يقيم وطنا لجميع المكونات التي تعيش فيه، بينما الحقائق على الارض أكدت عكس ذلك، وكان الضحية الأكبر هو الشعب الكوردي الذي لم يعرف يوما الاستسلام اوالمساومة على شيء يمس قوميته وهويته الخاصة، ورغم أنه كان رقما لايمكن التغافل عنه، تعرض لمحاولة تشويه حقيقته والاضطهاد والظلم، وتم تجاهل الاعتراف به وبتمايزه الثقافي واللغوي والتاريخي والحضاري.
وتعرض الكورد مرة أخرى من أصحاب القلوب الحاقدة والأفكار المنحرفة والعقول المريضة لمحاولات قمعية كثيرة، فما كان أمامهم إلا حمل السلاح والدفاع عن ذاتهم والرد على الممارسات التعسفية والهجمات العسكرية، وانطلقت ثورة ايلول في 11/9/1961 بقيادة البارزاني الخالد. في تلك الثورة خسر شعبنا المئات من أبنائه، وتعرضت الكثير من القرى والقصبات للتهديم والتخريب والحرق والتهجير القسري لسكانها بحجة قربها من حقول النفط وإقامة المشروعات والسدود، وفي بغداد، توالت الحكومات الانقلابية المستبدة والدموية، وبفعل الشوفينية المترسخة في عقول معظم قادتها، لم تختلف تجاه الكورد سوى في نوع الاسلحة التي استخدمتها في جرائمها وفظائعها اللا انسانية، وإستغلال الآلة الإعلامية التي لعبت دورا كبيرا في تشويه قضيتنا وترسيخ الأكاذيب والاتهامات الباطلة في عقول المواطنين البسطاء ووصفنا بالانفصاليين وبالعملاء للامبريالية والاستعمار والأمريكان والصهاينة..
ويوما بعد يوم وكلما كانت الهجمات والممارسات القمعية والدموية من جانب الأنظمة الشوفينية تزداد وحشية، كان الكوردستانيون يزدادون صلابة في المواجهة وإيماناً بقضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة وتزداد رغبتهم في الخلاص والتحرر من الاضطهاد، لذلك لم يتوقفوا عن النضال والكفاح المسلح ضد الطغاة وأنظمتهم البغيضة، ولم يشعروا يوما بذرة من التعب واليأس، وسقوا بدمائهم الغالية ارض كوردستان الطاهرة.
ثورة أیول العظيمة التي انبثقت من العمق التاريخي لثورات بارزان المتتالية، تشابهت مع ثورات الشعوب الاخری فی الاحلام والتطلعات والاهداف، ولكنها إختلفت معها فی وضوح الرؤیة وإبتعادها عن العنف والانتقام والكراهیة وفي انتهاجها للسبل السلمیة (قدر الامكان) وخوضها لجولات تفاوضية عدیدة مع كل الحكومات التی دعت الی التفاوض، كما أختلفت عن الاخريات بالمشاركين فيها، حيث شارك فيها العامل والفلاح والطالب والمعلم والمهندس والطبيب، وأرست القيم والمبادىء التسامحية فی نفوس مقاتلیها الذین أصبحوا القدوة والمثل الأعلى للتضحية والفداءوالوفاء والصدق، وبصريح العبارة يمكن القول إن ثورة ايلول كانت مدرسة تخرج منها عشرات الآلاف من المناضلين، ورفدت كل الاحزاب والتيارات السياسية بكوادر عسكرية وتنظيمية واعلامية مازالوا يلعبون أدوارا مهمة في كوردستان والعراق الفدرالي..
في ىذار 1970 توصل قادة ثورة ايلول الى اتفاق مع حكومة بغداد البعثية، وكان بالامكان (لولا النيات السيئة للبعثيين) التوصل الى حل عادل لأعقد وأدمى مشكلة، والتخلي عن خيار السلاح، ولكن غرور البعثيين وحماقتهم وشوفينيتهم أدت الى فشل المفاوضات التي استمرت لأربع سنوات وإندلاع القتال مرة أخرى في جبال كوردستان، وبعد إنتفاضة جماهيرية مباركة في آذار1991 وتغير موازين القوى في المنطقة، حكمنا أنفسنا بانفسنا عبر برلمان منتخب وحكومة إقليمية منتخبة، وأصبح النهوض الكوردي حقيقة لاجدال فيها، وبنينا بسواعدنا وإيماننا وطموحنا المشروع ونضوجنا السياسي، تجربة ديمقراطية واقتصادية، تجربة اصبحت نموذجا للسلام الاجتماعي والاستقرار والأمان والتعايش والتسامح في منطقة تتلاطم فيها امواج العنف والفوضى، وعندما هدد داعش سكان الاقليم وأمنه وإستقراره، تكاتف الجميع وتوحدوا ووقفوا ضده صفا واحدا دفاعا عن أنفسهم وعن الإنسانية كلها وقدموا تضحيات كبيرة ولم يبخلوا بدمائهم الزكية، وباعتراف الجميع اصبح الكوردستانيون الطرف الأقوى القادر على هزيمة داعش الذي ذاق مرارة ومهانة الهزيمة على يد بيشمركة كوردستان. وفي المقابل انحنى العالم كله تقديرا للدور الكوردستاني وبطولات البيشمركه.
|