يا استادي .. وعلي الهادي

يخطئ من يظن ان حق التظاهر ينحصر في المطالب السياسية والخدمية واخواتهما. فالغناء أيضا نوع من التظاهر الروحي قد يتخذه المظلوم والمقهور للاحتجاج على الظالمين. كثر مثل هذا النوع من التظاهرات الغنائية ايام حكم الفاشية والنازية او عندما يلوح شبح عودتهما. المغني فكتور جارا التشيلي مثالا. حتى أغاني الحب والعمل والحصاد مظاهرات لعبت دورا كبيرا في تغيير امزجة الناس وطرق تفكريها ووصلت الى حد تغيير أنظمتها السياسية. هنالك اغان ارعبت الطغاة وقضت مضاجعهم في أكثر من زمان ومكان.
كذلك الرقص، فرديا كان ام جماعيا، ما هو الى تظاهرات للفرح. ولربما يعد من أسمى أنواع المظاهرات لتمازج ايقاعات الروح فيه مع ايقاعات الجسد. كل شيء ذو موقف شجاع او متميز قد يتحول الى تظاهرة. مسعودة العمارتلية، مثلا، عندما غيرت اسمها الى مسعود العمارتلي ولبست اليشماغ والعقال وهي تغني كانت ظاهرة وتظاهرة في آن. قرة العين كانت وحدها تظاهرة عندما ثارت بوجه من استغل الدين والشريعة لحرمان الناس من لذة طعم الحياة. حتى لوحات الرسم والجداريات رغم صمتها مظاهرات دائمة تنتقل من جيل الى جيل. وحتى القصائد، هي الأخرى، قد تتظاهر.
في أوائل السبعينيات، وفي كلية الزراعة التي كانت في ابي غريب، عندما قرأ أحد الطلاب قصيدة "زغيرة وما تعرف تحب" تحولت الى تظاهرة حب جماعية. الذي قرأها فرات الشمري فسجلت باسمه بينما هي كانت لأخيه الشاعر نائل الشمري.
اول من تلاقف القصيدة بنات الكلية. أحببنها. شعرت كل واحدة منهن انها قصيدتها رغم ان المذمومة كانت الحبيبة وليس الحبيب. في وقتها سألت طالبة من الكلية ذاتها، كانت تحفظها عن ظهر قلب وتتمايل طربا عند قراءتها: ليش تحبينها؟ لأن بطل القصيدة شجاع. شلون؟ لانه شخص احد الأساتذة الفاسدين وتحداه مما اشفى قلوبنا:
يا استادي .. وعلي الهادي .. احرمك طبت النادي
انها الشجاعة اذن. شجاعة لم تطرب لها العاشقات فقط بل احبها الناس. صارت القصيدة تحتل اول قائمة مبيعات الكاسيتات في العراق. ولأنها حققت ذلك الحضور العريض، انشغل كثير من بسطاء الشعراء في الرد عليها بأمل ان يلحقوا بشهرة صاحبها. لكنهم كمن يلحق الآخر بعربانة مكسرة فضيعوا المشيتين.
تذكرت تلك القصيدة وقلبي يفور بفعل برودة الحكومة وتأخيرها استباق الفاسدين بضربة تشفي قلوب المظلومين.