الصحافة المكتوبة .. هل تواصل الصمود أمام زحف التكنولوجيا؟


المشرق:

تُعتبر الظروف الاقتصادية للمجتمع هي التي تحكم آليات حركته وكيفية تعامله مع المستجدات، من المخترعات والتطوّر التكنولوجي في إطار ثقافته التي ترتبط بعوامل وراثية تاريخية متداخلة مع التجارب الذاتية، وما يتطلّب ذلك من الوعي، فكلما كانت درجة الوعي عالية كانت درجة الاستجابة للمستحدث عالية الحساسية، وبما أن العقل الغربي تشكّل في ظل المتغيّرات الكبرى، التي شهدت أحداث تكوينه في أعقاب نهاية الخروج من عتبات وعقبات القرون الوسطى في نحو سنة 1453م، وأصبح معها عقلا متشبثا بكل ما هو مفيد بشكل مادي مبني على التجربة البحتة، ولا يمت إلى الغيبي بصلة ولا يخدم في ذلك حتى الدين، بل يخدمه هو كإنسان له احتياجاته المادية الخالصة، لذا تخلى هذا العقل عبر هذا المسعى المادي العاصف عن كل ما يربطه بحقب التأمل اليوناني القديم، وحتى الدين ونهجه الكنسي.
ومن هنا تتباين قراءات المقارنة بين سرعة استجابة الغرب للمخترع الجديد ولا مبالاة الشرقي في تعاطيه مع الجديد من المستحدثات والابتكارات، وما مرد ذلك الفرق والتباين في التعاطي إلا لاختلاف عقلين هنا وهناك في منطلقاتهما، وبالتالي نظرتهما للحياة، وهو ما ينعكس على الصحافة والإعلام اللذين تطوّرا بشكل كبير في الغرب واستجاب لهما الشرق أخيراً، بالتطور في وسائل الاتصالات وثورة الإنترنت والمعلومات، والتي كان لها الدور الأساس في بروز الصحافة الإلكترونية، حيث أكد أساتذة الجامعات أنها أثرت بشكل ما على الصحافة المطبوعة أسوة بما حدث في أوروبا، وساعدت في ذلك على انتشار الإنترنت والثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم، إلا أنه مع التطوّر الكبير في الصحافة الإلكترونية مازال القارئ الذي ينتمي الى أجيال ما بعد الشباب يجد متعته في حمل صحيفته. ويرى البعض من المختصين أن هناك الكثير من الفرص لتطوّر الصحف محتواها الإلكتروني على الإنترنت، مشدّدين على أن الوسائط المتعددة لا تمثّل تهديداً، وإنما هي فرصة لتطوير الصحافة التقليدية، كما أن الوسائط أداة مهمة لتتفاعل معها الصحافة التقليدية، في سبيل التحقق من المعلومات التي ترد عبرها، لأن المد التكنولوجي قد طال معظم وسائل الإعلام.ويرى آخرون أن الصحافة المكتوبة لم تتأخر عن وصيفتها الإلكترونية، بل في بعض الأحيان قد حقّقت انتصاراً أمام هذا الزحف التكنولوجي في المصداقية والمهنية.
يقول د. محمود علم الدين، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة: إن التقنيات الحديثة أثّرت بشكل كبير في الصحافة المكتوبة، إذ ستحدّد المسار المستقبلي للصحافة والطباعة والتوزيع والإعلان، وأن الصحافة لا بد أن تكون مستعدة لتقبل فرضيات التقنيات الحديثة، وما قد يترتب على ذلك من متطلبات استعداد للتعليم، ونلاحظ أن التطوّرات التي يشهدها العالم في مجال النشر الصحفي كبيرة وتستحق الاهتمام والجهد والعناء.
وأشار إلى أن الصناعة الطباعية وما شهدته من تطوّر تقني قد قطعت شوطاً كبيراً منذ بداية أول حرف مطبوع في منتصف القرن الخامس عشر، حتى بلوغها القرن الحادي والعشرين، حيث يقف الجميع أمام تحدٍ كبير في مجال عمل المخطوطات من المطبوعات، مؤكداً الحاجة إلى ربط عمق يحافظ من خلاله على صناعة المطبوعات الورقية السالفة الوجود، وفي ذات الوقت يجهد نفسه للاستفادة بشكل أكبر وأفضل من التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم، والتي يخشى البعض أن تؤثّر سلباً على صناعتها، وهذا ما سيتم استبعاده لو واكبنا التطوّر الذي يشهده والاستفادة منه في العمل.
ومن جانب آخر، قال د. سامي عبدالعزيز، العميد السابق لكلية الإعلام جامعة القاهرة: إن الصحافة المكتوبة تظل صناعة لها مقوماتها، مستبعداً أن يكون للتقدم التقني في هذا القطاع آثار سلبية على مستوى الصحافة، وتابع: أن التقنيات المستخدمة في الطباعة طويلة المدى، مؤكداً أن دول الخليج ضخّت استثمارات كبيرة في هذا المجال؛ مما جعلها في طليعة الدول من حيث التقنيات والطباعة المستخدمة، مشيراً إلى أن التوزيع هو الذي يجلب الإعلان، ولا بد من التفريق بين التوزيع النوعي والكمي.وأوضح أن الصحافة التقليدية تتمتّع باعتبارها من وسائل الإعلام وتتفاعل مع الإنترنت، ولذا أصبح من الحتمي أن تتفاعل الصحف بشكل إبداعي حتى تبقي على قرّائها كصحافة تقليدية وإلكترونية في آن واحد، مؤكداً أن الصحافة التقليدية نجحت في تطوير منتجاتها على الإنترنت، في ظل زيادة عدد المقبلين على الصحافة الإلكترونية، وكل هذا يفرض التحوّل الضروري لشركات الصحافة وتحوّلها إلى الوسائط المتعددة للحفاظ على استمراريتها، مشيراً إلى أن هناك فرصاً لإيجاد مصادر جديدة للدخل للصحافة التقليدية عن طريق الإنترنت والصحافة الإلكترونية.