"تجارة الدين مربحة"!! |
هذه المقولة لإبن خلدون , وهي تشير إلى أن الدين وسيلة للسيطرة على البشر وأخذهم إلى حيث تريد الكراسي المتسلطة. هذا النهج معروف وتؤكده الأحداث التأريخية المؤلمة , منذ حضارة سومر والفراعنة , وحتى في الأديان السماوية الثلاثة , وما قدمته الكنيسة في القرون الوسطى من أمثلة لا تزال الكثير من المعالم تشير إليها. ومنذ أول دولة في التأريخ , كان الحاكم إلها , أو ممثلا لإله ومن ثم نصف إله. وأول ما شُيّد في التأريخ البشري هي المعابد للآلهة , كما حصل في حضارات بلاد ما بين النهرين وفي مصر وغيرها. فالبشر لا بد له أن يكون خاضعا لقوة خارقة مجهولة ومهيمنة على وجوده لكي تتم قيادته , ولابد لمن يحكمه أن يتسم بهذه الصفات. وربما , لهذا فأن الناس في بلدان الحضارات القديمة تميل إلى منح قادتها وحكامها صفات لا بشرية , لكي تركن إليهم وتؤسس حكمهم المطلق , فتخرجهم من دائرة البشرية وتجعلهم كالأساطير أو المخلوقات الخرافية. وعلى مدى القرون لم تخلو أساليب الحكم من التجارة بالدين , سواء في شرق الأرض أو مغاربها , وفي الحضارة المصرية كانت تجارة الدين هي الركن الأساسي في الحكم , والمعابد كانت تقرر وتهيمن على إرادة السلطة , فكان كل ما يقوم به الحاكم بأمر إلهي وتعاليم سماوية , حتى ممارسته الجنس تتم وفقا لمراسيم وطقوس , لكي يكون المولود من من جنس الآلهة ويحمل بركاتهم. وفي الزمن المعاصر إتخذت التجارة بالدين أساليب متنوعة ومعاصرة , على شكل أحزاب ورموز وغيرهم الذين يتم إضفاء الصفات الخيالية عليهم واتباعهم , بعد أن تتحقق سياسة التجهيل عند الناس والإعتقاد بأنهم الأعرف ونحن الأجهل ولابد أن نتبعهم. وفي هذا السلوك تجرد من المسؤولية وميل للتبرير والإنكار. فالناس لا تمتلك الشعور بالمسؤولية لأنها تربّت عبر الأجيال على التبعية , فرجل الدين هو المسؤول لأنه قال كذا وكذا , والدولة أو السلطة هي المسؤولة. أما البشر فهو يتبع وينفذ ويردد ولا يرى أو يقول لأنه سيلاقي المصير المشؤوم. ولتأكيد هذه التجارة الرابحة يتم الإستثمار في التجهيل البشري , لأنه عامل أساسي لتوفير الأسواق لبضاعة هذه التجارة. ولهذا ترانا في مجتمعات تنامى فيها الجهل وترعرع من أجل صناعة الهدف المطلوب من تجارة الدين. فهل سيربح الناس ويفوز الدين بهذه الأساليب , التي حولت كل حالة إلى مأزق للتآكل والخراب؟ |