خفايا نبرة صوتك

حينما سُئِلَ مدرب بريطاني محترف في التمثيل الدرامي، ما النصيحة الذهبية الوحيدة التي يمكن أن تسديها لممثل مبتدئ، قال: «تحدث بصوت مرتفع». ذلك أن الصوت المرتفع له تأثير قوي على السامع ويولد انطباعًا ملحوظًا بالثقة في النفس.
ونبرة الصوت تعطي شعورًا جيدًا أو سيئًا عن صاحبها، فكم من متردد أو خائف أو كاذب كشفه صوته. وهذا أحد أسباب نجاح جهاز الكشف عن الكذب. إذ إن نبرة الصوت إيماءة خفية تكشف النقاب عن مكنون المتحدث، لا سيما في مفاوضاته أو اجتماعاته أو لقاءاته الاجتماعية المهمة.
وقد أبدعت اللغة العربية في وصف الصوت ونبرته، مثل وصفها لصوت الخائف أو المرتبك «بالمتهدج» أو «الخفيض» أو «الخافت» أو «الهامس» كناية عن خجله أو أدبه الجم أو ربما عدم ثقته بنفسه. وتصف نوعًا من الأصوات بـ«الرخيم» أو «الغليظ» أو «المبحوح» أو «الخشن» مثل أصوات مذيعي نشرات الأخبار المخضرمين في «بي بي سي». ويمكن بسهولة أن تعرف حالة الفرح أو الحزن أو الامتعاض التي يعيشها الفرد من «جهورية» صوته أو «صراخه» أو «تمتمته»، أو «عويله» عند الفاجعة.
ولا يبدو أن وصف حالة الفرد من صوته يقتصر على لغات الشعوب، فهناك أيضًا عدد من الأبحاث منها دراسة د. مهرابيان الشهيرة التي أظهرت أن نبرة صوت الإنسان وإيماءاته أبلغ تأثيرًا من كلماته. إذ توصل الباحث إلى أن تأثير الرسالة التي يود إيصالها محدثنا إلينا يكون من خلال الكلمات بنسبة لا تتجاوز 7 في المائة، في حين تأخذ نبرة الصوت نسبة 38 في المائة، و55 في المائة لإيماءاته الجسدية. بمعنى آخر، عندما يخطب مسؤول أمام حشد من الناس، فإن 93 في المائة من تأثير الرسالة علينا كمستمعين يأتينا من خلال نبرة صوته وإيماءاته الجسدية (38 - 55 في المائة).
وفي بعض الأحيان، قد تنحرف بك نبرة صوتك عن مرادك فتحرض على سوء الظن بك، كأن تقول بصوت جهور «من فعل هذا؟!» فيفسره البعض تعاليًا أو تهديدًا أو امتعاضًا أو بداية موجة من النقد اللاذع، في حين لم تكن تقصد سوى استفسار بريء!
وقد اكتشف العلماء أن لدى المرأة مقدرة أكبر من الرجل على تفسير نبرة الصوت وربطها في الحالة المزاجية، الأمر الذي يجعل تحايل معاشر الرجال عليها «مشروع ورطة» سرعان ما ستكتشفها بنات حواء!
ومن لطائف لغتنا وصفها الدقيق حتى للحظات صمتك. كأن نقول «وَجَم فلان» أي سكت وعجز عن الكلام من شِدّة همه أو غيظه أو خوفه أو تّعجّبه. وهو حالنا ونحن ننظر إلى مآسي الأحداث من حولنا.