دور تركيا في الشرطة الرّاجلة |
قيل أفول شمس بريطانيا العظمى من عالم السيطرة على مستعمراتها المنتشرة في القارات الخمس، كان البريطانيون يخططون لإنشاء ما أسموه بـ (الواجهة العربية)، أي دويلات ضعيفة تكون معتمدة على بريطانيا من حيث الدعم وسوف تقوم بوظيفتها على شكل (خرافة مؤسيّسة) يمكن للبريطانيين أن يقوموا بالحكم الفعلي من ورائها. ولما أزاحت الولايات المتحدة بريطانيا (من هذه المنطقة) تبنَّت بشكل أساسي (النموذج البريطاني) إذ خططت لإدارة المنطقة بواجهة تتألف من دويلات ضعيفة وفاسدة، وستكون معتمدة على الدعم الخارجي من أجل البقاء، ووظيفتها الوحيدة أن تدير الشؤون اليومية المحلية، أما وراء هذه الواجهة فتقف الولايات المتحدة بعضلاتها العسكرية حين تستدّعي الحاجة، كما تمتلك الولايات المتحدة نوعاً من كلب الهجوم ويسمى بـ(بريطانيا) وهي التي يبدو أحياناً أنها دولة مستقلة، ووظيفتها الوحيدة أن تنفذ أن الخدمات التي شخّصها السياسي البريطاني المشهور (للويد جورج) في مذكرة سرية بـ(أنه علينا أن نحتفظ بحقنا في ضرب العديد بالقنابل)، وهذا مهم، وهو يمثل الدور البريطاني حين يحتاج السيدُ إلى شيء من المساعدة، أو حين يحتاج إلى ذريعة مفادها أنه يقوم بذلك نيابة عن (المجموعة الدولية) وهو مصطلح يعني الولايات المتحدة وأية دولة توافق على السير في ركابها. لكن الولايات المتحدة أضافت إلى هذا في الواقع اختراعاً جديداً. فقد أضافت مستوى متوسطاً يتكوّن من بعض الدول الهامشية، أي من دول ستكون بمثابة (الشرطة المحلية الرّاجلة)، بحسب تعبير إدارة الرئيس (نيكسون)، التي استعملت هذا التعبير الشعبي الأمريكي، الذي يعني: أن (الشرطة المحلية الرّاجلة)، هم رجال الشرطة الذين يعملون في الشوارع، وفي هذه الحالة فـ(الشرطة المحلية) هي الدول التابعة، أما المركز الرئيس للشرطة ففي (واشنطن). وكانت تركيا أولى هذه الدول. إذ كانت تمثل (الشرطة المحلية الرّاجلة) ووظيفتها أن تضمّن حماية الواجهة العربية من شعوبها، وهي تمثل أخطر عدو لها، وكانت تركيا من هذه الدول، كما كانت إيران تحت حكم الشاه مثالاً آخر، وانضمت إسرائيل بعد عام 1967، حـــين قضت على مركز القومية العربية، إلى هذا الحلف، كما كانت باكستان عضواً فيه لفترة طويلة، والهدف من هذا الحلف إيجاد بعض الدول غير العربية التي تملك قوة عسكرية ضاربة، وتستطيع أن تحمي الواجهة العربية من القوى المحلية التي ربما تَخطُر في رؤوسها بعض الأفكار (الغريبة)، مثل فكرة وجوب عودة ثروات المنطقة ومصادرها الأخرى إلى هذه الشعوب، بدلاً من ذهابها إلى أيدي الأغنياء في الغرب وإلى أيدي (تابعيهم) من المرتزقة المحليين، وكما يحدث الآن في معظم البلدان العربية (النفطية)..! وتسمى مثل هذه الأفكار بـ(الوطنية المتطرفة) وهي التي يجب أن تُوأد: أما بواسطة الشرطة المحلية الراجلة). وهي التي تقع عليها المسؤولية المباشرة، وإذا لم تمثّل خطراً كافياً على تلك الأفكار فسوف تتحرك الولايات المتحدة و(كلبّها) للعمل، مستخدمة الشرطة المحلية قواعد تنطلق منها.
وكان البترول دائماً السبب الرئيس للاهتمام بالشرق الأوسط، وهناك سبب ثانوي ذو أهمية بالغة، وهو (المياه) المهمة جداً التي ستكون أكثر أهمية في المستقبل حين تُستنزف مصادر المياه الأخرى، ودور وكما يقول المفكر الأمريكي (نعوم تشومسكي) في محاضرته التي ألقاها في 25/3/2002 في المنتدى الذي عقد في ديار بكر- تركيا. ونشرت الترجمة في جريدة (الوطن) السعودية: العدد (641) في 2/7/2002.
ودور تركيا هنا أكثر أساسية، ذلك أن تركيا، والمنطقة الجنوبية الشرقية منها خصوصاً، تمثل مصدراً رئيساً للمياه في المنطقة العربية، كما ستستفيد (لسيطرة) على المياه مما أسماه المخططون الأمريكيون قبل خمسين سنة بـ(بقوة حق الاعتراض) وهو ما يشبه تماماً السيطرة على (البترول) فإذا أستطعت أن (تمنع) تدفق المياه إلى البلدان الأخرى فسوف ترغمها بذلك على (الخضوع)، وهذا فيما يبدو هدف مهم من إنشاء السدود والمشاريع المائية الأخرى (في تركيا). أي ضمان السيطرة على المياه سوف يكون مسؤولية (عملاء) الولايات المتحدة، وهو ما يعني ضمان السيطرة على المنطقة واستعمال قوة حق الأعتراض ضد العناصر المتمرّدة. ومزيداً للمعلومات يحبذ مراجعة دارستنا بعنوان: مقايضة المياه التركية بالنفط العربي هل يصبح واقعاً. المنشورة في مؤلفنا: (دراسات إستراتيجية في الشؤون العربية) الصادر عام2015.
|