يرموك المنتفق (معركة الشنفة ) في ذ ي قار

هذه المعركة جديرة بالدراسة ,كونها من المعارك الفاصلة التي لم يبقى فيها للاتراك نفوذا او سلطانا في العراق .
معنى يرموك لغويا
(رمك) في مختار الصحاح : الرَّمَكَةُ بفتحتين الأنثى من البراذين وجمعها رِمَاكٌ مثل ثمار وأثمار و يَرْمُوكُ موضع بناحية الشام ومنه يوم يرموك.
و معنى رَمَكَ في المعجم الوسيط في المكانِ، وبه ـُ رُمُوكاً: أَقام فيه لا يبرح.
اذن هو ناحية وموضع يقيمون فيه كما يقيم خصمهم وغيرهم .
و الشنفة مكان يعتبر ضفة وهو جدول اروائي يقع بين ابي شبيبة والشطرة في محافظة ذي قار .
يذكر الشيخ علي الشرقي في موسوعته النثرية حيث كان هذا الاديب المؤرخ شاهدا معاصرا للاحداث ,ومعتمدا لدى اية الله السيد محمد سعيد الحبوبي لدى عشائر شمال ذ ي قار ,أذ يقول :
في عام 1913 ملت حكومة العراق العثمانية صيال عشائر المنتفق الثائرة ,ويصمم والي بغداد وقائد الجيش جاويد باش على منازلة عشائر المنتفق , مبتدئا بالعشائر المحيطة بالشطرة ,وجه أربعة عشرا طابورا ,من الجيش النظامي واستنفر كافة عشائر الغراف من مدينة الحي الى مدينة الشطرة(1), فكانت الملحمة تبلغ الاربعين الفا حتى ان بعض الافخاذ تخاذل عن عشيرته وانضم الى جند الحكومة ولم يصمد للمحنة الا المئات وكأن الدنيا قد تجمعت عليهم ,ولكنهم بعد ان ثبتوا للصدمة الاولى تضعضعوا .
وانكشفوا قليلا الى ما وراءهم من ضفة (الشنفة) ((يرموك المنتفق)),والتجأ زعيم العبودة الى زعيم خفاجة ذلك البطل الشهم علي الفضل فهب للذب والحماية ونفرت خفاجة لنصرة اللاجىءالذي تخلف عنه قومه الا القليل .
ويخطب ذلك الزعيم في القليل قائلا غدا تكون الجولة فلابد وان نكون في الطليعة وخفاجة سندا لنا ,لانتركهم يتقدمون لنا لان الطلب على رقابنا لا رقابهم ,فهزت القوم النخوة وهب الشمم بروائحه الطيبة وقالوا نحن لها دون سوانا .وسرعان ما نصبوا بيت الحرب ((كناغ )) وهو بيت تنقل اليه الجرحى والقتلى واحتفروا فيه حوضا كبيرا حملت النساء اليه الماء من النهر وهن يزغردن انهابا لحمية الرجال ,ووقف زعيم القوم يثير العزم والنخوة بزجرة الحماسي مخاطبا زوجته ((شيدي وذبحلج بيه باشا)) أي ارفعي البيت وسأذبح لك به باشا قربانا ,وفي الاصيل زحفت تلك الململمة على اؤلئك المصاليت الذين تفاءلوا خيرا لانهم يعتقدون بان الزحف في وقت الاصيل لايربح المعركة وأستقبلهم المناضلون وقد أوصى الزعيم النسوة بالتقاط الجرحى والقتلى لان الرجال في الحومة وغص الفرسان في تلك الموجة العارمة التي غمرت المشاة من المدافعين وامتد النزاع ونطفت العروق شارقة بالدم وورمت الانوف بالحمية, الشعار يخفق والنعار يدوي والشباب يتهافتون مهفهفا ,وما ضاعت شمس ذلك اليوم الا وقصد العرق ونزت الرابطة القومية فمالت العشائر ميلة واحدة على الجيش وهم يزجلون ((يابن العم حضت عوجانا )) اوحشت اضلاعنا وضربوا في افقية الجيش فأختل نظامه وارتبكت صفوفه وانسحب مستترا بجدران الشطرة ,والرجال تتعقبه ولم تكن تلك الغلبة لعشائر الشطرة والغراف بل لكل عشائر المنتفق ,وكما كانت معركة اليرموك الفاصلة كانت معركة ((الشنفة))الفاصلة ولم يبق للاتراك نفوذا أو سلطانا .(اهـ).
وما يلاحظ مما تقدم اعلاه بأن معركة ((الشنفة)) كانت سنة 1913م ,وليس كما ورد في ملفات الاحتلال البريطاني ,اذ جاء فيها : في اوائل نيسان عام 1914 ارسلت الحكومة العثمانية قوة عسكرية ثانية مكونة من سبع عشرة كتيبة عثمانية بمدافعها كان اغلبها من الجنود العرب من بغداد(2).
ومايؤيد بان المعركة في سنة 1913 ما ذكرناه مسبقا بأن المؤرخ الشرقي شاهدا ومعاصرا وملازما للاحداث .
واما ملفات الاحتلال البريطاني فصحيح انها على هيئة تقارير شهرية لكنها غير دقيقة في التاريخ ,كونها لم تكن في المنطقة اولا .
وثانيا:اذا افترضنا انها تقارير استخبارية للدراسة من قبل الاحتلال البريطاني ,فالاحتمال الوارد بأنه لم يدون التاريخ بشكل دقيق من قبل العميل ,وربما نقل الحدث شفهي ووضع التاريخ بشكل تقريبي او تخمين .
ثالثا :اذا نظرنا الى المصدر في الهامش سنجد ان هذه الملفات تم فتحا لمدة سنة واحدة من 1918لغاية 1919م,بمعنى ليس وقت الاحداث .ولو افترضنا انها فتحت قبل سنة على اقل تقدير ,لكان هناك احتمال لصحة التاريخ .
واما من اشترك في بداية هذه المعركة من العشائر ضد الاحتلال العثماني حسب روايات كبار السن المعاصرين هم : بعض من قبيلة العبودة الذين عبر عنهم الشيخ الشرقي بلقلة القليلة مع الشيخ خيون ,وقبيلة خفاجة من افخاذها كل من آل عبدالسيد وآل شجان وبني زيد الدﭽﻪ ,وعشائر الشطرة آلبوشمخي وآل عواد وآل حِسَنْ.
وبعد ان كانت المعركة حامية الوطيس التحقت أغلب عشائر المنتفق للقتال مع اخوانهم ضد الاحتلال العثماني .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)جاء في هامش الموسوعة النثرية ص 142 : الشطرة مدينة كبيرة من أقضية محافظة ذ ي قار تاريخها قديم فهي قسمان :
(أ)البائدة .(ب)العامرة .
(أ)البائدة :تبعد عن موقعها بكيلو مترين على جدول من الفرات يسمى (الخليلية)نسبة الى خليل بك يعود تاريخها الى القرن الثاني عشر الهجري .
(ب)العامرة :تم تأسيس الشطرة الثانية سنة 1290هجري ,والشطرة اليوم طرفان :
فالطرف الشرقي :يقطنه السناجرة (عشيرة) .
والطرف الغربي :يقطنه قبيلة أبي شمخي .
غير ان المتنفذ ومايزال قبيلة السناجرة .(انتهى كلام الشيخ الشرقي وكان ذلك في عصره).
(2)د. ك. و، الوحدة الوثائقية: ملفات الأحتلال البريطاني، تسلسل الملف 188، موضوع الملف: تقارير شهرية- الناصرية، فتحت في 4/7/1918 واغلقت في 4/7/1919، و1، ص8.