غادر قطار العمة العظمى ودخل قطارها, غادر بحمولة نفايات الزيتوني وعاد بحمولة المتأسلمين, دخل الجميع بذات الجميع وتبلل الهجين بفساد الهجين, عام 1973 في مدينة براغ, قال او كرر القيادي البعثي علي صالح السعدي "اننا جئنا بقطار امريكي" علق صديق "ان لم يأت البعث, لأتى غيره بذات القطار" العراق غني بالثروات والحضارات وحثالات السياسة ايضاً.
البعث فُصل على خمسة عقود, بعد اسقاطه اُثث الفراغ بلصوص الأسلام السياسي, كانوا اكثر همة وديناميكية في انجاز ما لم يستطعه البعث, بفترة قياسية لا تتجاوز الأثنى عشر عاماً, رموز دينية اغلبها تعتمر عمامة امير المؤمنين علي (ع), تتغرغر قيادات احزابها بنصوص دين الله, وهم من بين حمولة قطار التحرير سيء الصيت في 09 / نيسان / 2003 خلفاً لحمولة قطار مزابل 08 / شباط / 1963.
مثلما غادر قطار الزيتوني, سيغادر قطار المتأسلمين عاجلاً, لقد استهلك مرحلته بعجالة, انها حكمة العمة العظمى, سيدخل قطارها الثالث وربما الرابع وبغداد محطة لأستقبال وتوديع نفايات العمليات السياسية, كان للزمن البعثي عملية سياسية, لها رئيس ومجلسي وزراء ونواب ومجلس اضافي لقيادة الثورة ومنطق لا يختلف عن منطق عمليتنا السياسية الراهنة, فكلاهما تمنطق ويتمنطق بالوطنية والقومية والفضيلة والأيمان ورتوشات خادعة يتقنها من احترف التبعية والعمالة.
العملية السياسية في الزمن البعثي, كانت متماسكة من داخل دموية نظامها منسجمة حول منطقها القومي, هجين العملية السياسية الراهنة لا يشبه بعضه, لكل جغرافيته ومكونه ومن يفتديه بالروح والدم, تفصل بينهما حدود المتنازع عليها وجميعهم منسجمون في مستنقع فساد واحد.
وطن فقد هوية مشتركات مكوناته, تتحكم في أجزائه ثلاثة امارات رئيسية ومئآت العشائر المصنعة ومجالس اسناد مرتشية وصحوات موسمية, عراق المكونات التاريخية الحضارية الذي كان موحداً دولة ومجتمع وتاريخ وثقافة , اصبح الآن كيان ممزق معترف به خارطة على جريدة قديمة.
العراق المؤقلم, تتصرف به كيانات افسدها الفساد, بعضها وضعت السرج على ظهر المذهب وخلفها قافلة ممن يعانون نقصاً فادحاً في آدميتهم, بعضها تجتر طائفيتها بطعم المادة (4) ارهاب بعد ان فتحت ابواب مدنها واسرة اعراضها وممتلكاتها امام الزناة, ثم تطالب بحرس وطني تعبيء به داواعشها لتصفية الحساب مع بغداد, بعضها سيج جنوبه بالمتنازع عليها وترك شماله ممراً للعثمنة.
انتفض عراقيو الجنوب والوسط من اجل العراق حشداً مدنياً, سيتسع كماً ونوعاً على امتداد جغرافية العراق, اخوة لهم على جبهات قتال الدواعش, يسترخصون الدماء والأرواح, فقط لأنهم يتنفسون برئـة المجتمع العراقي الموحد, نصرهم سيحصل بارادة الملايين بعيداً عن امراء حرب الجغرافيات الثلاث.
امريكا المصدر الرئيس لتدعيش العالم, خسرت معنا اوراق قوميتنا في لعبتها الدموية وستخسر معنا اوراق اسلامنا في لعبة الفساد والأرهاب, صحيح انها انهكت العراق عبر القرن الأخير من الزمن الأغبر, وخسرنا معها الكثير من حقيقتنا الوطنية, لكن للدماء والمعاناة ثمارها عندما يدرك المواطن واقعه المضمخ بالأنكسارات والهزائم واسباب التخلف والأنحطاط ثم يبدأ من صميمه حراك الرفض وعنفوان الأنعتاق في حالة وعي عابر للتطرف الطائفي القومي.
ضيقي الأفق, يعتقدون ان ما يحدث داخل ساحات تحرير المدن العراقية, مجرد هبة طارئة وردة فعل طفيفة يمكن التحكم بها واحتوائها عبر موعظة او خطبة او بكائية او فتوى ان تطلب الأمر, لكنهم هذه المرة سوف لن يتفادوا القادم من عنف التغيير ـــ الخيار المتبقي ـــ تحالفهم في لعبة الفساد والأرهاب وصل نهايته, المنطق الراهن وضع العراق على مفترق خيارين, فأما ان يصلح واقعه واما ان يغيره .
|