تظاهرات هوازن في سوق عكاظ

ان كانت الجاهلية تتفاخر بثلاثة اسواق (عكاظ, مجنة, ذي المجاز), اكتسبت الشهرة في مفاخرها حتى كانت حديثاً من الدهر, فحق ان يتفاخر العراقيون بـ (سوق المطالب), ورواج البضائع فيه.

سوق المطالب لا يختلف كثيراً عن الاسواق التي تعج بالبضائع, بل يعتبر اكثر رواجاً من باقي الاسواق, لندرة البضاعة ووفرة فوائدها, وحماس اصحاب البضاعة, وكثرة انصارهم المعلنين والمسوقين والمدافعين, ويتشابه سوق المطالب بوجود الاصنام التي يقدسها بعض المرَّوجين, فأهالي هوازن كانوا يتفاخرون بصنمهم "جهار" الذي يتوسط سوق عكاظ.

غابت المطالب الوطنية في سوق مطالب هذا الاسبوع, وشهدت مطالب المناطقية رواجاً منقطع النظير, حتى كاد يشكل روادها كل الحضور المتواجدين في جمعة عكاظ, ثلث رواد السوق كانوا يطالبون بإقالة قائم مقام, وقد قطعوا مسافة (30كم) لطرح هذه البضاعة في الميدان, وكانوا يتصورونها نهاية معاناتهم في دنيا الازمات التي احرقت الدولة برمتها, بل تجاوزت الحدود لتدخل ضمن تنافس البورصة العالمية في اثارت المشاكل والفتن.

وثلث اخر كانت بضاعتهم عبارة عن مطلب شخصي, بتمليك بيوتهم التي أنشأوها على اراضي زراعية بعد ان جرفوها واقاموا عليها الدور واطئة الكلفة, والباقي من نسبة الحضور بين الباحث عن تثبيت على الملاك الدائم, والباحث عن فرصة عمل في دائرة, او لديه معاناة يحاول ايصال صوته من خلال القنوات الفضائية المتواجدة في سوق المطالب, وكثيرون هم اولئك المنفردون بأعدادهم ومطالبهم الشخصية.

حركات ومنظمات وقواعد جماهيرية وناشطين, غابوا عن سوق المطالب في عكاظ مدينتي, وكان غيابهم يثير التساؤلات, وبالتحديد بعد ظهور كتابات هنا وهناك على صفحات التواصل الاجتماعي بوجود صفقات ورشاوى تلقاها البعض منهم من مسؤولين نفاذين في المحافظة, وكتل سياسية معارضة للحكومة الحالية, ويبدو من خلال تلك الاحاديث ان هنالك سوق اخر لشراء الذمم تفوح منه رائحة نتنة, تفوق كراهية ذنب عبادة الاصنام عند هوازن.

الاسواق الثلاثة في الجاهلية تبدأ قبل ذي الحجة وتنتهي فيه, واخشى ان يتشابه سوق المطالب في هذه المدة, وان تختفي مظاهر الاصلاح والمطالب دون ان تكون هنالك استثمارات حقيقية يستفاد منها المواطن, او ان تكون هنالك محاسبة للمفسدين وسراق المال العام, وكل من اسهم في زيادة المعاناة وتفشي الجوع والفقر بين صفوف المواطنين.

وللمثقف وقفة كبيرة بين يدي ربَّ العالمين, فهو يعتبر المحرك لثورات الاصلاح, والمخطط لطريق المسير الصحيح لحصول الشعوب على مطالبها, مثلما يعتبر المسؤول عن بناء حضارة وصناعة تاريخ مشرق, ويؤسفني غياب المثقف من سوق المطالب بالجسد والروح والقلم والكلمة, وافتقدنا فيه عبارة "مالي اراكم في حيصبيص", بالشعر والخطابة واثارة روح الحماسة والتوجيه.

رغم حذري من جواز كتابة هذه الكلمة في مقال, لكن لضرورة احكام, واقول: لابد من ان "نبصق" بوجه اولئك المندسين وعبيد المسؤولين والمرتزقة والسماسرة الذين اسهموا في تسيس التظاهرة, وابعادها عن مسارها الحقيقي, بخططهم السفيانية ومشورة بن العاص.