أصدرت منشورات الجامعة الأميركية في القاهرة كتابًا عن «بيروت بأقلام الرحّالة» (بالإنجليزية) يرسم صورة مدينة بهرت المسافرين منذ التاريخ، لكنها تغرق اليوم في أكوام القمامة والضحالة الفكرية. فيض من تلك ونضوب من هذه. كأنما هذا الكتاب الجميل، المطبوع مثل دعوة إلى زفاف، تعزية لأهل المدينة ببقايا الماضي عن بقايا هذا الحاضر. ثمة روايات كثيرة عن أسس بيروت. البعض يقول إغريقية، والبعض رومانية، والبعض فينيقيّة. وتقول الأسطورة اليونانية إن بانيها هو كرونوس، ابن الإله زيوس. لذلك، يخاطبها الشاعر اليوناني القديم بالقول «تعالي يا حوريات لبنان في أرض بيروت القريبة. ثمة مدينة هنا تدعى بيروت هي سارية الإنسانية، وميناء العاشقين. آه، بيروت، جذور الحياة، حاضنة المدن، اعتزاز الأمراء، توأم الزمان، أرض العدالة ونجمة لبنان». وفي عام 94م خلبت بيروت لب الإمبراطور أغريبا، كما يقول المؤرخ الروماني فلافيوس جوزيفوس و«أعجبته حيوية سكانها فأمر ببناء مسرح ضخم لهم يفوق المسارح الأخرى في الإمبراطورية، كما أقام الحمامات والمدارج وحلبات المصارعة التي كان يشارك فيها فريقان، يتألف كل منهما من 700 مصارع». وفي عام 1177 يكتب الرحالة اليوناني يوهانس فوكاس «وهذه بيروت، مدينة كبيرة ومكتظّة، يزينها ميناء جميل وأبراج». وعام 1697 يعثر الرحالة هنري موندريل على أصل آخر لاسم بيروت. إنه «الإله بعل بيريت». لكنه يلاحظ أن الكثير من آثارها القديمة اختفت، «وليس ذلك مهمًا فقد احتفظت بجمالها وتربتها الخصبة». الكاتب الفرنسي جيرار دو نرفال استأجر غرفة في أحد المنازل وسط المدينة «وكنت أرى النساء الجميلات ذاهبات إلى العين في المساء، وبينهن صاحبة المنزل التي تضع على رأسها منديلاً مربوطًا إلى قصبة، وترتدي ثوبًا طويلاً مطرزًا، وتبدو مثل إحدى ملكات آشور. لكنها لم تكن سوى زوجة خياط في المدينة» (1851). الشاعر لا مارتين (1832) مثل جميع الزوار في هذه المجموعة، يتحدث عن جمال غابة الصنوبر التي أقامها الأمير فخر الدين الثاني، وظلت زينة المدينة ورئتها إلى أن أحرقها زعران الحرب الأهلية. وأحرق الآخرون بقية الخضرة التي كانت تلف المدينة إلى نصف قرن مضى. وحرق الفساد والرشوة الشجر والآثار معًا. وأصبحت بيروت اليوم مدينة متلاصقة الجدران من فوق، ومكدسة بالقمامة من تحت.
|