دار ويدور كلام كثير عن "الافواج المستقلة"، او ما صار يصطلح عليه بافواج الحماية.. ولعل تقييم عملها ومستقبلها ودورها لا يمكن ان يأخذ ابعاده الموضوعية والمنصفة دون التذكير بتاريخ واسباب تشكيل هذه الافواج. انهار النظام الامني بعد 2003 تماماً.. فلقد حُل الجيش رسمياً بقرار من السفير "بريمر"، او تفكك هو وقوات الشرطة اثناء عمليات اجتياح العراق وفرض الاحتلال عليه. فصار الامن بيد قوتين اساسيتين.. الاولى القوات المتعددة الجنسيات.. والثانية الطاقات والامكانات الخاصة.. فتوفر العشائر الحماية لمناطقها.. واغلق اهالي الحي احيائهم بجذوع النخيل.. وحمت الاحزاب نفسها بمناصريها ومنتسبيها، وقس على ذلك. في البداية كانت الحمايات الفردية للمسؤولين بسيطة وباعداد قليلة.. لكنها تطورت مع تدهور الاوضاع الامنية، وتطور العمليات الارهابية، واعمال العنف، خصوصاً العمليات الانتحارية والتفجيرات والاغتيالات والاختطاف، وانتشار ظاهرة الميليشيات. عندها بدا واضحاً ان لا القوات الامريكية ولا القوات المسلحة العراقية قادرة على حماية الامن، الا في "المنطقة الخضراء"، التي منع الدخول اليها الا بموجب "باجات" تمنح وفق تعليمات خاصة. فعاشت البلاد فوضى كبيرة ولعل من ابرز نتائجها الاغتيال المأساوي لشهيد المحراب الشهيد محمد باقر الحكيم قدس سره.. مما اشاع من الظاهرة العسكرية وازدياد اعداد الحمايات وشركات الحماية والسيارات المصفحة وقطع الطرق والشوارع والكتل الكونكريتية. بدأت عملية اعادة بناء القوات المسلحة في نهاية 2003.. وكانت النواة الاولى تشكيل الفوج 36.. ورشحت عناصره المجلس الاعلى و"اليكتي" و"البارت" والوفاق الوطني والمؤتمر الوطني بواقع 125 عنصراً لكل منهم، والذين تلقوا تدريبات عالية المستوى، لتتشكل منهم لاحقاً "الفرقة الذهبية". مع ذلك بقيت عملية بناء القوات المسلحة والامنية متعثرة وتسير ببطىء شديد.. وسط تدهور متزايد في الوضع الامني وتطور واسع للعمليات الارهابية، والتي فجرت كامل الاوضاع الطائفية، مع تفجيرها لمرقدي الامامين العسكريين عليهما السلام في شباط 2006، فغرقت البلاد فيما سمي وقتها بـ "توازن الرعب".. فازداد نشاطات المجاميع المسلحة والاعمال العنفية والقتالية بشتى اشكالها.. وتسبب ذلك ببروز قوى محلية في كل منطقة تفرض قانونها ونظامها.. مما قاد لانكفاء شبه كامل للمصالح العامة والجامعات والحياة الاجتماعية في مناطق واسعة من العراق، بما في ذلك العاصمة بغداد. وفي اواسط شباط 2007 اقرت خطة "فرض القانون".. وفي اطار مقترحات الخطة، ومن اجل تعزيز الامن في العاصمة، ولتوفير قوات مدقق في هوية افرادها منعاً من الاختراقات، وفي اطار الخطة الامنية تم في شباط 2008 اقرار تشكيل افواج باسم "الافواج المستقلة"، التي صارت تسمى بـ "حمايات المسؤولين" والتي حملت هدفاً مباشراً هو حماية المسؤولين واهداف غير مباشرة وهي توفير الانتشار في العديد من مناطق السكن خارج المنطقة الخضراء، ومسك الارض بالتعاون مع القوات المسلحة الاخرى. لذلك ارتبطت هذه الافواج مباشرة باركان الجيش في كل شيء، عدا ما يخص حركة الافراد اليومية ومناطق استقرارهم المختلفة.. ففي الكرادة مثلاً تشكلت قوات مخصصة لحماية المناطق مشكلة من خليط من هذه الافواج والقوات الامنية.. وتأسس مقر قيادتها في ساحة الحسنين عليهما السلام في بداية الشارع الذي يقود للمنطقة الخضراء والكرادة داخل. فهذه القوات هي من صلب قطعات الجيش العراقي، وخاضت تدريبات قتالية ممتازة.... وقدمت العديد من الشهداء والجرحى في شتى المعارك.. فقامت بواجباتها في حماية المسؤولين والمناطق التي انتشرت فيها.. وكانت اول من لبى نداء الامام السيستاني دامت افاضاته في "الفتوى الجهادية".. ومسكت وما زالت تمسك مناطق خطرة في جبهات القتال ضد "داعش"، ولم تنسحب يوماً من مواقعها. وعليه يجب مراعاة هذه الحقائق عند اعادة هيكلة هذه الافواج بكل ايجابياتها، وتقويم او تصحيح الاخطاء والسلبيات ان جدت، شأنها شأن غيرها. اما التقليل من شأن هذه الافواج، او عدم توفير استحقاقاتها ومنحها المكانة اللازمة اسوة بباقي الوحدات العسكرية، فيعتبر عملاً خاطئاً لا يقوم به من كان شريكاً حقيقاً في المعركة، ضد الدكتاتورية والارهاب.. فهذه الافواج تستحق كل رعاية، كما يستحق منتسبوها كل تكريم واهتمام، مكافأة لهم لادائهم واجباتهم بكل اخلاص وتضحية، ولدفاعهم المستمر عن شعبهم ووطنهم.
|