أينما تمضي في شوارع بغداد وساحاتها الكثيرة، تواجهك اعلانات (حَب السفايف)، وأينما تدير وجهك، تطالعك دعايات (حب السفايف).. والمصيبة أن أغلب الشخصيات التي تروِّج، وتدعو لإستهلاك، أو إستخدام، أو إقتناء، أو تكريز هذا (المنتوج العظيم) هم من الشخصيات العراقية المحبوبة، ولبعضهم منجز إبداعي جيد.. بل أن أغلبهم أحبة وأصدقاء قريبون لي شخصياً.. ولا أخفي عليكم، فكثيراً ما كنت أسأل نفسي، وأنا أرفع بصري نحوها، وأقول: احقاً ان حَب السفايف مهم، وخطير لهذه الدرجة، بحيث تجتمع على الإعلان عنه كل هذه النجوم الشعرية والفنية والرياضية البارزة.. وإذا كان حب السفايف مهماً وخطيراً فعلاً.. فكيف أعذر نفسي من مسؤولية عدم معرفتي بهذه الأهمية، وهذه الخطورة..؟ حتى اتذكر اني طرحت سؤالاً على احد النجوم الذين ظهروا بهذا الإعلان وقلت له:- لماذا لا أعرف مثلك أهمية حب السفايف، وأنا الذي كنت أظن أني أعرف الكثير من الأشياء التي لايعرفها الملايين من العراقيين؟! فضحك صديقي ولم يجب!! المهم في الموضوع اني لست حانقاً على حب السفايف، ولا مؤيداً (لحب الشجر الأبيض) او (لحب الرقي الأحمر)، إنما انا مؤيد، ومنحاز للحق، والعدل، والرؤية السليمة.. إذ ليس من المعقول أن نشغل ساحات، وجداريات، وجسور العراق بالدعاية لحب السفايف.. بينما لا نبذل نصف هذا الجهد لمنتوجات عراقية مهمة.. منتوجات وطنية تبيض الوجه، وترفع الرأس.. منتوجات عراقية فاخرة، نقوم بدفع ملايين الدولارات، إن لم أقل المليارات من أجل إستيراد مثيلاتها من الخارج..؟ لقد تفجر هذا الموضوع في رأسي يوم الخميس الماضي، وانا أزور بصحبة عدد من الصحفيين، مصانع الشركة العامة للسيارات، حيث يبدع هناك الفتيان العراقيون خلف الكواليس إبداعاً عظيماً، وهم يصنعون من دون دعايات مختلف السيارات من (أبدان معدنية) مستوردة، بينما كل البقية الباقية من السيارة، جهد عراقي خالص.. وسناتي بالتفصيل على هذا المنجز الوطني الباهر في الأعداد القادمة من جريدة (الحقيقة) .. أما مظلومية معمل الألبسة الرجالية في النجف الأشرف، الذي زرناه يوم الخميس ايضا، فمصيبته مصيبة.. فهذا المعمل يصنع أفضل البدلات (القوط) الرجالية، ليس في العراق فحسب إنما في المنطقة أيضاً، وبسعر قد لا يزيد على سعر (گعدة نركيلة بالكرادة)، أو ربما أقل منها.. أقول لعل هذا المعمل هو الأكثر إدهاشاً لي ولزملائي، والأشد تعرضاً للظلم، والتحيز.. فوالله لو كان هذا المصنع مصرياً، او سورياً لعملوا منه حكاية، وأنتجوا عنه مسلسلاً ربما يكون اطول من مسلسل (المال والبنون)، أو مسلسل (باب الحارة) لكن المعمل عراقي (وفوگاها نجفي)!! في نهاية الجولة في هذا المعمل المفخرة، أخذنا جميعاً بدلات (قوط)، وخرجنا مبهورين بها.. وحين عدت الى البيت، سألتني زوجتي بإعجاب، وهي ترى (القاط) قائلة: الله شنو هذا القاط اليخبل.. منين إشتريته؟ قلت لها: اليوم جابه صديقي الي من لندن.. فقالت: عرفته انگليزي من تصميمه وفصاله وخياطه وقماشه، والله مثل هذا القاط ماكو بلندن، ولا بكاليفورنيا!! قلت لها: زين وإذا أگلچ القاط عراقي، وجبته من معمل النجف اليوم!! فدهشت، ورفعت حاجبيها، ثم قالت: أگول الفتحة مال السترة عوجة!!.
|