بلد الأفكار والتعايش السلمي |
أيام السبعينيات كنا حينها طلاب ندرس في كليات بغداد ومعاهدها الفنية جئنا من مختلف محافظات العراق ، نسكن في بناية واحدة (القسم الداخلي ) في مدينة الاعظمية نجلس ونتحاور ونتسامر رغم اختلاف أفكارنا الدينية والمذهبية والسياسية ،لا احد منا يسأل الأخر عن مذهبه أو دينه أو طائفته حتى الألقاب لا نتعامل بها حينها لأن صوت الوطن أعلى من صوت العشيرة والقبيلة ، هدفنا الأساس الدراسة والحصول على الشهادة الجامعية ثم التعيين في دوائر الدولة وشركاتها الفتية آنذاك.
بعد تخرجنا من الجامعات والمعاهد الفنية التحقنا بالجيش لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية وكنا مجموعة من الجنود الأصدقاء من مختلف الطوائف والأديان أيضاً منسجمين متجانسين ومتحابين في الله والوطن ننام في قاعة واحدة ونأكل في ماعون واحد (القصعة ) كما تسمى بالمصطلح العسكري ، قضينا فترة سنتين لا نعرف ولا نفكر يوماً بالتفرقة بكل أشكالها وألوانها وبعد أكثر من عشرين سنة شاءت الصدف إن ألتقي بأحد أصدقائي في الجيش وهو من أهالي مدينة ديالى ،زارني في محافظتي الجنوبية ( ميسان ) مع عائلته ، تصوروا كل هذه المدة وأنا لا أعرف مذهبه أو قوميته، هكذا هو المجتمع العراقي أيام الزمن الجميل متآلف ومسالم ومتجانس بكل أطيافه لا يفرق بين القوميات و المذاهب و الأديان أما – الطائفية – هذا المصطلح المقيت لم يعرفه أو يمارسه البعض من ضعاف الوطنية إلا بعد دخول القوات الأمريكية وحلفائها إلى العراق في العام 2003 وما جرى بعدها من ويلات وتهجير وحروب لازالت تكوي جبين الوطن حتى هذه الساعة.
إن النظام الذي تشكل لاحقا على أساس المحاصصة الطائفية تسبب بنوع من انعدام الثقة بين الشعب وأطراف العملية السياسة من جهة وبين أطراف العملية السياسة فيما بينهم من جهة ثانية مما جعل كل حزب يبقي على مليشيات وعناصر مسلحة يستخدماها متى شاء ضد الخصوم والمعارضين بعد أن باركت أمريكا المحاصصة الطائفية في نظام حكم فرح السياسيون بما حصلوا عليه من حقائب وزارية وأموالاً طائلة ً كلاً حسب طائفته وكتلته وحزبه ناسين أو متناسين بأن ما جرى ويجري حاليا هو تكريس للطائفية التي بلغت ذروتها خلال عامي (2006- 2007) حيث راح ضحيتها المئات من الأبرياء مـــــن الشعب العراقي.وكما قال المفكر الإيراني الكبير علي شريعتي( 1933- 1977) } مشكلتنا في الثورات أننا نطيح بالحاكم ونبقي من صنـــــعوا دكتاتــوريته لهذا لا تنــــجح أغلب الثورات لأننا نغير الظالم ولا نغير الظلم {.
إن المحاصصة الطائفية المقيتة والفوضى السياسية التي حدثت ساهمت في أعاقة بناء الدولة حيث أصبح المعيار الطائفي هو الأكثر حضورا وأصبحت مؤسسات الدولة مجالاً لاستقطاب العناصر الفاسدة وغير الكفؤة وغير المهنية مما تسبب باستشراء الفساد في كل مفاصلها وكان هذا أحد ألأسباب فــــي حصول عجز كبير بالموازنات العراقية البالغة (850) مليار دولار منذ عام 2003 حتى ألان والتي نهب منها ( 25،5) مليار دولار بسبب الفساد المالي والإداري والسياسي ، سيما وأن العراق دولة سياحية وزراعية ونفطية متقدمة ألا إن كل واردات النفط والموارد الأخرى ليس بإمكانها سد هذا العجز ولو كان هناك تخطيط سليم وكانت هناك رقابة نزيهة وقادة شرفاء ما حصل الذي حصل وبالتالي نفذ صبر الشعب وخرج بمظاهرات عفوية سلمية يوم 31/7/2015 والأيام اللاحقة في جميع محافظات العراق للمطالبة بحقوقه في توفير الخدمات والأمن ومحاربة الفساد والمفسدين وما قبول رئاسة الحكومة متمثلة برئيس وزرائها السيد حيدر العبادي والبرلمان كذلك بمطالب الشعب وتوجيهات المرجعية الرشيدة بالقضاء على الفساد إلا خطوة في تصحيح المسار وستتبعها خطوات جريئة وجادة في بناء الدولة العراقية وتشكيل حكومة وطنية قائمة على أساس الكفأة والنزاهة والمهنية … وأن حزمة الإصلاحات التي قدمتها الحكومة ستكون منسجمة مع متطلبات الشعب العراقي في تقديم الخدمات ومحاربة الفساد كي يمض العراق وشعبة بسلام في بناء دولة المواطنة القائمة على أساس الحقوق والواجبات ، والأيام القادمة حبلى بالإحداث مادام هناك شعب له تاريخ عريق في محاربة الظالمين والطغاة….. وسيرى الذين فسدوا إي منقلب ينقلبون؟. |