أقتلني أيها الحاكم لكن لا تقتل وطنيتي!

 

أردتُ أن أقنع صديقي بعدم الهجرة، فدار حوار بيني وبينه، سألته: لماذا أنت مصر على الهجرة؟
أجابني: أبحث عن مستقبلي! وسبحانه وتعالى يقول:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، أَوَ ليس الإمام علي عليه السلام قال:( الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة)، وهذه هي فرصتي ولا أريد أن أفوتها، ففوت الفرصة غصة!.

عرفت إن دافع الهجرة عنده، كان سببها البطالة وقلة ذات اليد، حيث أنه شاب متزوج أنهى دراسة الكلية، ولم يجد عمل له أو تعيين، فقلت له: أنا معك فيما قلت، لكن الهجرة ليس وقتها الآن، فالوطن يمر بخطر كبير، ونحن في معركة مقدسة، ولعل الوطن، والمقدسات،والأعراض، تحتاجنا في أي لحظة، ونلحق باخواننا في جبهات القتال الذين ضحوا واعطوا دماء كثيرة من أجلنا!.

قال لي: عن أي وطن تتحدث؟!وعن أي مقدسات؟!وعن أي أعراض؟!الوطن الذي تتقاتل أبناءه فيما بينهم! أم تفجير المراقد، وهتك الأعراض وبيعهنّ في سوق النخاسة، تحت ظل حكومة حزب ديني، يقف موقف المتفرج، وبيده العدة والعدد والمال!.

الوطن الذي يتخرج فيه الشاب، بعد أن يقضي16 سنة من الدراسة، ولا يجد عمل أو ظيفة له، أو الذي كان مطارد من قبل البعثيين يعيش البطالة، وعضو البعث الذي كان يظلم الناس، تزكيه الأحزاب الدينية وإمام جماعة المسجد، ليرجع إلى وظيفته، ثم أين حقوق الشهداء وضحايا التفجيرات، كلها تسويف بتسويف، وكذا… وكذا...، يا سيدي الوطن للحاكم وأسرته!.

حقيقة أحرجني بمنطقهِ، وحرت بماذا أرد عليه؟ صرت أهدئهُ، وأداعبه، وذكرت له أغنية سعدون جابر( المضيع ذهب بسوگ الذهب يلگاه، بس اللي مضيع وطن وين الوطن يلگاه).

أجابني بشعر مثله: وإذا البلاد تغيرت عن حالها .. فدع المقام وبادر التحويلا .. ليس المقام عليك فرضا واجبا .. في بلدة تدع العزيز ذليلا.

عجزت عن إقناعه في عدم الهجرة، فأردت أن أثير العاطفة عنده، وأهيج أحزانه، علّه يتراجع عن أمره، فرثيته بقصيدة ملا باسم الكربلائي، التي تقول:(لا تسافر لا يروحي لا تسافر .. لا تكابر لا يجرحي لا تكابر .. يا گلب يهجر خليله .. ويا أبو يترك عليله)، فقلت له: الوطن خليل وعليل، ولابد أن نقف معه!.

رد عليّ قائلا: تنقّل فلذات الهوى في التنقّل .. لا تقف عند منهل .. ففي الأرض أحباب وفيها منازل .. فلا تبك من ذكرى حبيب ومنزل .. ولا تستمع قول امرئ القيس إنه .. مضل ومن ذا يهتدى بمضل.

تيقنت حينئذ إن هذا الشاب لم يقتلوه الحكام فقط، بل قتلوا عنده الوطنية أيضاً، وكم تمنيت أن يُسن قانون كقانون الخيانة العضمى للبلد، على الذي يتسبب بقتل الروح الوطنية عند الناس، حتى أرى الذين حكموا العراق بعد 2003، يشنقوا بنفس الحبل الذي شُنق فيه صدام المجرم!.
ُ