عند الشدائد يعرف الإنسان

اظل طوال عمري مقتنعا حد الايمان بأن أوروبا فعلا قارة العقل. والعقل يستدل عليه من حضور الضمير. أية امة تجد ضميرها يرتفع أعلى من علمها وفوق كل مقدساتها فاعلم ان عقلها شغال والعكس صحيح تماما.
الكل يقر بان ازمة المهاجرين الى أوروبا في هذا الأيام هي الأشد منذ الحرب العالمية الثانية. جاءت في وقت انهيار اقتصادي ووضع عالمي صعب: إرهاب وحروب وتطرف يهدد كل برعم اخضر بالهلاك. من هنا كانت امام الإنسان الأوروبي أكثر من حجة لرد الفارين لأرضه من جحيم بلدانهم. لكن في أوروبا: تصغر في عين "الضمير" العظائم.
خرج الشعب الأوروبي بين من فتح ذراعيه وآخر بابه وجمع تطوع ليعين هذا القادم من العراق وسوريا بطرك النفس بالمال والطعام. كان يوم السبت من أعظم أيام أوروبا إنسانية. يوازي في تأثيره عظمة ثورتها الصناعية التي لولاها لكان العالم مازال مظلما.
قرأت شعار الشعوب المتحضرة وكأن الناس هناك تصيح: من رأى متكم لاجئا فليحتضنه بذراعيه وان لم يستطع فليضمه الى قلبه وان لم يستطع فليغني او يرقص أو يصلي من اجله صلاة الحب والسلام.
نحن الذين قلناها عند الشدائد تعرف الاخوان. والنتيجة؟ ان خرج لنا الاخوان المسلمون بعشرات الألوان يذيقون بلداننا الذل والهوان. من مصر الى سوريا الى العراق الى ليبيا ولبنان. اخوان للقهر مهما كان شكل مذهبهم او أصلهم او موطنهم.
أثبت السبت الفائت ان البذرة التي زرعها فولتير التنويري الأوروبي قد اثمرت. قال رحمه الله "قد أختلف معك في الرأي ولكني على استعداد للموت دفاعاً عن حقك في أن تعبر عن رأيك".
متى يكون الانسان انسانا اذن؟ انه عندما يكون ملحدا لكنه يتظاهر ضد من يمنع المسلمات من ارتداء الحجاب في بلده. وعندما يكون متدينا او حتى معمما وتجده يتظاهر ويحتج ضد من يهاجم منتدى اتحاد الادباء في بلده. وان يخرج الشيعة في تظاهرات غاضبة ضد المالكي يوم اعتدى على متظاهري السنّة في الانبار وحولها، الراد الله والما راد، الى صراع مسلح. وان يخرج السنّة غاضبون يوم أعدم صدام السيد محمد باقر الصدر بدم بارد. وهكذا الى ان يتظاهر العربي انصافا لكردي حُرق بالكيمياوي وان يغضب الكردي من اجل عربي مسه القهر.
اما الأكبر سموا من هذا وذاك فهو الإنسان الذي يفتح قلبه لقادم هججه القهر والقتل من ارضه ليقول للحاكم: عليك ان تقبله رغما عن انفك لأنه انسان.