عندما ينقلب "الفيسبوك" من كتاب الوجه الى صخام الوجه |
عندما ظهر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك في عام ٢٠٠٤ ، أصر بعض مرتاديه ومستعمليه من الناطقين بالعربية على ترجمته حرفيا فأسموه كتاب الوجه . وقد انتشرت هذه التسمية على نطاق محدود و لفترة بسيطة ثم اختفت وحل محلها الفيسبوك لفظا وكتابةً عملا بالقاعدة اللغوية "رب خطأ شائع خير من صحيح مهجور". ان سهولة وصول الكلمة المكتوبة عن طريق الفيسبوك الى حلقة واسعة من الناس قد شجع الكثيرين على الكتابة ومحاولة طرح أفكارهم الشخصية او نقل بعض الحكم أو الأقوال الخالدة لأدباء او فلاسفة او نصوصا من الكتب السماوية . كم يسعدني أن أقرأ لأحد أصدقائي او معارفي وهو يكتب بتفاؤل وحب للحياة،، كم استبشر خيرا عندما أقرأ حكمة ترشدني الى صفاء الروح والنظر الى الأمور من زاوية لم تكن تخطر على بالي ولم أراها من قبل . وكأية تقنية جديدة تدخل عالمنا لتخدمنا وتعيننا، تدخل معها ما يمكن ان تقلب فائدتها الى ضرر وأذى . ان المبضع الذي يستخدمه الجراح لفتح بطن مرضاه لإنقاذهم وشفائهم يكاد يكون هو نفسه الذي يستخدمه المجرم في تشويه وجوه ضحاياه . وكذلك الامر مع الفيسبوك الذي قرب المسافات بيننا وجفف بعضا من دموعنا نحن العراقيين الذين وجدنا أنفسنا في ليلة وضحاها مشردين في أصقاع الارض غير مصدقين ما جرى لنا . انه يجعل الام تطمئن على ابنتها التي تبعد عنها آلاف الكيلومترات عدة مرات في اليوم ، بدون ان يكلفها ذلك أجور الاتصال ،، فتشاهد صورها وتبتسم لفكاهاتها وتشعر كما لو انها بقربها ولا يعوزها سوى ان تمد ذراعها لتحتضنها وتشم ضوع عبيرها . لقد تكونت لدي بعض الملاحظات خلال الأشهر الماضية عن ما يمكن ان يكون طيشا في استخدام هذه التقنية الرائعة وقد تسبب حرجا بل قد تؤدي الى القطيعة والنفور بين الأصدقاء . حدثني أحد الأصدقاء الأعزاء ان هنالك احد معارفه ممن هو مسجل على صفحته على الفيسبوك قد كتب تعليقا يفهم منه انه ذا نفسٍ طائفي ، فثارت ثائرة شقيقة صديقي فردت الصاع صاعين ... وكل ذلك أمام الملأ وعلى صفحة الجدار التي يقرأها الجميع . لقد كان صديقي يروي لي هذه الواقعة والألم يعتصره ، فقد اصبح بين مطرقة صديقه وسندان اخته وهاهو يرى بأم عينيه حبل الوئام بينه وبين صديقه وقد تهرأ وأصبح أوهى من خيط العنكبوت . الا تكفينا مصائبنا فنزيد الطين بلة والغريق غطة حيث نعمد الى نشر أقذر غسيلنا أمام الجميع فنخسر احترامنا واصدقائنا وتوازننا ونصبح كالريشة التي تتقاذفها الريح فلا تقوى على ان تمتلك إرادتها . قد يختلف الأصدقاء فيما بينهم على اثر تصرف عفوي او زلة لسان تسفر عن جرح سطحي يندمل تلقائيا بعد ايام . ولكن حين يبادر احد المتخاصمين الى نشر سطور على الفيسبوك يُستدل منها انها موجهة ضد صديقه فهذا مما يسرع بجعل القطيعة نهائية . ان الكلمة المكتوبة أشد إيلاما من الكلمة المسموعة لان المتلقي سيجزم حينها ان من كان صديقه قد فكر بها مليا قبل كتابتها وان الموضوع ليست هفوة لسان او حادث يمكن ان يكون عفويا . ان اكثر ما يجعل القاضي مصراً على إصدار أشد عقوبة لمرتكب الجريمة هو حينما تتوفر له الأدلة الكافية لاعتبار الجريمة عملا مقصودا مع سبق الإصرار والترصد . ومن آداب الفيسبوك التي يجب ان نفطن لها انه لا يجوز لنا ان نرفق صورة على صفحتنا لأحد أصدقائنا بدون إذن من ذلك الشخص ، فأن البعض لديه حساسية مفرطة ولا سيما السيدات من موضوع نشر الصور بدون استئذان . وكذا الامر ينطبق على ذكر اسماء من كانوا حاضرين تلك الدعوة او الوليمة او اي حدث ما . تذكر عزيزي القاريء ان كل إنسان يحب ان يتداول بعض أموره بالكتمان ، فأحترم تلك الرغبة كي يعاملك الآخرون بالمثل . أخبرني هنا في كندا خبير في احدى شركات التوظيف ان واحدة من وسائل التحقق من مؤهلات المتقدم للتعيين في وظيفة ما هو محاولة الدخول بطريقة شرعية على صفحته على الفيسبوك ورسم صورة واقعية عن ذلك المرشح للتعيين،، وكم من طلب تعيين قد رفض لان ذلك الشخص قد كتب ما لا يليق في الفيسبوك كأن يكون ذلك الشخص عدوانيا او أحمقاً او مبتذلا في ما يكتب . لقد قال لي هذا الخبير ما نصه انه قد قرأ الكثير مما كتبه بعض الأشخاص عن انفسهم وانه يستغرب كيف ان بعض الناس يتطوع عامدا متعمدا بأظهار نفسه بأسوأ صورة ممكنة حيث ينفر منه الآخرون بمجرد قراءة صفحته على الفيسبوك . حبذا لو استخدمنا الفيسبوك كجسر للتواصل مع من نحب،، أينما كانوا في هذا العالم الفسيح ...فيكون الأداة التي قصدها الشاعر في هذه الأبيات
|