أخر العمل منظف

 

 

كانت امي “يرحمها الله و امواتكم” باحثة اجتماعية، وكنت اذهب معها الى المعهد الذي تعمل فيه لقربه من مدرستي.منظر واجواء و روائح لا انساها، تلك التي تخص مجاميع المعينين او المنظــفين من رجال ونساء بقــــرب نار المدفـــــأة كل صباح باكر، سواء في مدرستي ام في معــــهد الامل الذي كانت فيه امي.

 

وكنت انا، ولأدراكي البرئ لصور الحياة و الوجوه، انتظر ان اكبر لاكون مثل اي كبير في العمر اراه_وكلهم يفوقونني طول جسم_ واحسب ان ابي سيكون بعد عمله يومذاك وقد كان دبلوماسيا، اقول انني كنت اعتقد ان تطور عمله سيجعله منظفا، حيث انني اعتقدت يومها ان العجوز لا يعمل الا منظفا، رجلا كان ام امراة!.”فراشون”، هكذا ينادونهم، وكنت اشم قرب مدافئم القديمة عالية النيران، روائح الشاي ورائحة النفط المحترق الممتزج بدخان سكائر بغداد بعلبتها البيضاء الممهورة بنقش احمر. اجواء تشبه اجواء افتقدها اليوم، فلا انا بقيت طفلا، ولا خلطة روائح شتاء الامس وخان ناره التي يكشفها الدخان المنبعث مع تيارات المدافئ له اي شبه بأيامنا الباردة القليلة!

 

اعود لاجلعكم تبتسمون الان_علكم تبتسمون_ حيث سألت امي هل ستكونين فراشة عندما تكبرين وهل سيكون ابي فراشا ايضا؟

 

انتبهت امي وجفلت لكنها ضحكت مستغربة مني، لم نكون فراشين كلانا؟ “سألتني امي وهي تمسك كفي الايسر المرتفع لتمسك كفها الايمن”، قلت لها الاينتهي الموظف مستقبلا في تقدم عمله ليصبح عجوزا ويكون فراشا؟

 

قالت: اتقبل انت؟ قلت لها : نعم و تعملان في مدرستنا، ونذهب ونعود معا للبيت!. قالت: وانت هل ستكون مثلنا عندما تكبر وتعمل فراشا؟

 

قلت: نعم.

 

تركتني امي للمدرسة وذهبت للعمل، وذهبت انا لأقول لفراشي المدرسة ان ابوي سيعملان معكما وهما اصغر منكم. ولم اتلق اي رد.

 

لكن الغريب الذ ي عاقباني عليه فراشي المستقبل واقصد ابي و امي، هو انني تذكرت فرق الملابس بينهما وبين فراشي المدرسة، فاخذت ملابس من بيتنا واعطيتها لفراشينا، وعندما افتــــــقدوا الملابس في البيـــت سأتني امي لم فعلت ذلك؟ قلـــت لها الن تعملوا معهم؟!.