الشارع.. التغيير والتقسيم |
الشارع: استعرض أنا هنا بعض الأحداث التي أخرجت العراقيين إلى الشارع منذ أن وعيتها وكان أولها وفاة المغفور له الملك فيصل الأول عام 1933 خرجت الجماهير عفوياً في بغداد والمدن حزناً تندب حظها لأنها فقدت ربان سفينتها الذي عقدت عليه آمالاً عظاماً في مقدمتها إيصال سفينتهم إلى بر الأمان وأنقل قولاً يدل على عمق اليأس الذي تملك النفوس إذ قال قائلهم: سفينة بالبحر طره الفلك مات فيصل يا غريب اذكر هلك وتلاه أحداث أخرجت العراقيين إلى الشارع منها ما بلغت به مطالبها وكانت لا تتجاوز إسقاط وزارة أو إلغاء معاهدة عقدت مع بريطانيا. وبعض منها مطالب حياتية وكان أعظمها عندما أمسك الشيوعيون بالشارع أبان الحكم القاسمي عام 1958 على مدى أربع سنوات طالب أصحاب المسيرات والمتظاهرون إقامة حكم شيوعي. وأقول وبتجرد أنه وإن كان الزخم كبيراً إلا أن عامة الشعب لم تكن راضية عن هذا المطلب وسقط الحكم القاسمي وانتهى الحزب الشيوعي. هذه نماذج من حوادث أخرجت العراقيين إلى الشوارع. لذلك يمكن القول أن ليس غريباً أن يخرج العراقيون بهذا الزخم المنظم وهذه الشمولية بجميع أنحاء العراق مع وحدة المطالب التي تخص عموم أبناء الشعب ومطالب يمكن تسميتها خاصة تهم أبناء محافظة بذاتها والذي ميز هذه المظاهرات أنها لقيت استجابة سريعة من السيد رئيس الوزراء العبادي أيده عليها المرجعية الدينية الشيعية العليا ودعم من مجلس الوزراء ومجلس النواب وتنادى كثير من كبار المفكرين على تأييدها. ولكن جميع الداعمين والمؤيدين لهم تحفظات على بعض مطالب الجماهير وقرارات مجلس الوزراء ومجلس النواب وهذا أمر طبيعي بسبب الظروف المحيطة برئيس مجلس الوزراء ومجلس النواب وإنما المهم هذا الإصرار على الإصلاح سيما الفساد المالي والإداري الذي كان المطلب الرئيس واستمرار الإصرار عليه سواءً من الجماهير التي خرجت إلى ساحة التحرير على مدى الشهرين الماضيين وكذلك الحال بالنسبة لجماهير المحافظات وبتأييد حكيم من المرجعية الشيعية الحكيمة. وهنا يجب أن يدرك المتظاهرون والمحتجون والمعتصمون الظروف التي تمر بها البلاد وقوة بأس المعارضين سواءً من كان من داخل السلطة ومن خارجها. ومعارضة لا تنطق تلك هي الحرب على داعش وخروقات أمنية تظهر هنا وهناك في أماكن متعددة من العراق يضاف إلى المعارضين والمثبطات 3 ملايين عراقي مشردين يسمون نازحين. كذلك يجب على أولئك الرجال الشيب والشباب ومعهم أولئك السيدات الفاضلات أن يدركوا أن الفساد المالي الذين يستعجلون القضاء عليه لم يأت فجأة بيوم وليلة ليكون القضاء عليه بنفس الفترة الزمنية يوم وليلة وإن كان المعلن أن المقصود هو الفساد الذي حصل خلال تولي العملية السياسية (المحاصصة) الحكم واعتقد وحسب خبرتي الميدانية أن لها عمق أبعد وجوانب متعددة. وهذا إن توفرت الألية الحرفية لمعالجته مع هذا القول عن عدم كفاءة القضاء فأعتقد أنه ستبرز عقبات سواءً من المعارضة التي ذكرتها أو بسبب المثبطات الأخرى. لذلك يجب معالجة هذه المشكلة بصبر وحكمة لكي لا يستفز من يقع عليه الحساب ويكون رد فعله عنيفاً وتأتي مشكلة أخرى أكبر لذلك اقترحت في كلمة سابقة أن تتولى لجان قضائية من خارج السلطة القضائية ولنسمها مجالس تحكيم على غرار مجالس التحكيم القضائية التي تشكل بقرار قضائي تتولى دراسة دعوى يحتاج القاضي الذي ينظرها إلى رأي يوصله إلى الحكم العادل. والوصول إلى الحكم العادل قضائياً تمر الدعوى الجزائية والمدنية بثلاثة مراحل في الجزائية يسبقها تحقيق في دوائر الشرطة والحكم الأخير قطعي يصفه فقهاء القانون بأنه (عنوان الحقيقة) وهذا سيأخذ أشهراً وسنيناً وتذهب الغاية التي يجري الحساب من أجلها لذلك الأوفق أن تشكل مجالس قضائية في بغداد والمحافظات تتولى محاسبة من له ملف في دوائر النزاهة أو أمام القضاء تخول بتشريع النظر في هذه القضايا وتصدر أحكاماً قطعية تسوى بموجبها الذمة المالية للمتهم وتمنحه نسبة مما تنتهي إليه المحاسبة لمن يبادر بالتقدم من تلك المجالس ويسبقها تعديل المادة 311 من قانون العقوبات تسقط الجرائم عمن يتقدم بإقراره شخصياً أو بواسطة وكيل إلى تلك اللجان ومن لم تسوى قضيته بهذه الوسيلة الرضائية يحال إلى القضاء. وفي تقديري أن تخفيف قوة الصدمة سيشجع من عليه تهمة المبادرة إلى مراجعة تلك المجالس على أن تكون اجراءات وقرارات تلك المجالس بعيدة عن وسائل الاعلام وأن أمكن شمولها بالسرية. أما بقية الإصلاحات وحتى تعديل الدستور لن يأتي منه رد عنيف. والإصلاح المتدرج وفق دراسات وخطط مشرعة بقانون هي الأفضل من ذلك الاستعجال. تلج عليَّ فكرة وهي امنية أن يصرف النظر عن قانون الحرس الوطني ولتخفيف من هذا المطلب من جانب العرب السنة يدمج الحشد الشعبي قسم منه مع القوى الأمنية والقسم الآخر مع الجيش لمن هم ضمن سن المكلفية حسب النظام المتبع في الجيش السابق ويسند إلى قادته العليا والمتوسطة مناصب سياسية ووظائف إدارية كل حسب كفاءته حتى وإن كان ضمن إدارات القوى الأمنية والجيش إجراءات رضائية من لجان كالمجالس القضائية التي سبق ذكرها. أما أن تضاف مجموعات مسلحة جديدة فذلك خطر جديد يهدد وحدة العراق بل سيحكم على مصيره بالمتمزق.
مطلب مرحلتين التغيير: مطلب صدر عن الجماهير على مرحلتين الأولى التحول إلى دولة علمانية وعندما لمس قادة الجماهير والذين أتوا بهذا المطلب رفضاً له من قوى فاعله عدلوه إلى الثاني التحول إلى الدولة المدنية وإذا عدنا إلى بدايات إقامة الدولة العراقية الحديثة عام 1921 نجد في بداياتها ملامح من الحكم المدني ولا سيما فترة حكم النظام الملكي فإذا اضطربت الأحوال تعلن الأحكام العرفية لفترة محدودة وتعود الحياة إلى طبيعتها مدنية تقدم بها العراق على سواه من الدول المجاورة، وقد تأتي ملاحظة أن نظام الاقطاع كان هو السائد وأقول عن معايشة أن الاحتكام إلى قانون دعاوى العشائر كان اختيارياً وسكان المدن هم الأكثرية ومع ذلك تطورت الأحوال إلى النظام المدني. وحتى أبان حكم الأنظمة الفردية لم يتعرض أحد منهم إلى المؤسسات المدنية وخاصة القضاء ولكن الذي تعرض للمؤسسات النظام البعثي في وقائع يطول شرحها أما حكم العملية السياسية (المحاصصة) الذي تطالب الجماهير بتغييره فإن استبداله بحكم ديمقراطي ولكن بالتدرج وفق تشريعات مدروسة ولتكن بدايتها قانون الأحزاب. لأن نظام المحاصصة عجز عن جمع أطياف متعددة من أبناء الشعب العربي السني إلى جانب العربي الشيعي ومعهم الكردي والتركماني والآخرين الذين هم الشذرات الغالية في النسيج العراقي. بعد أن ثبت أن التنوع القومي والعقائدي إن توحدوا يكونوا قوة للإنتاج والإبداع في العمل وكان هذا هو حال العراق سابقاً قبل أن يحكم الحزب الواحد وجاءت بعده المحاصة. التقسيم: وهذا ما حذرت منه المرجعية الشيعية الكريمة ببصرها وبصيرتها لأن ذلك لن يكون في صالح العرب الشيعة ومعها المعارضة المسلحة التي تعارض الإصلاح والتغيير. وإذا حصل التقسيم وهذا وارد إذا استمر الاحتلال الداعشي والتدهور الاقتصادي (تدني أسعار النفط) وبقى الفساد المالي دون علاج فهذا يشكل عاملاً خطراً بالنسبة لاحتمالات التقسيم يضاف إليها عامل أقوى هو ما في اهداف الإدارة الأمريكية وأعني استراتيجية تقسيم دول الشرق الأوسط وقد بدأت في العراق. كل المعطيات تفيد أن الإدارة الأمريكية والإدارة الروسية غير جادة للقضاء على داعش واخوتها الذي تسميه الإرهاب ومن التسريبات الخبرية أن المخابرات الأمريكية على تواصل مع قيادات داعش في سوريا والعراق وتمدها بالمعلومات الاستخباراتية التي تساعدها على إنزال تلك الضربات المؤلمة في الجيش والحشد الشعبي العراقيان. وكذلك في المقاومة السورية التي بدت ملامح خارطة تقسيمها. وأستعرض هنا أسباب الاستحالة: أولها أن الناس أينما تكون هي القوة الضاربة الأقوى من الأسلحة والستراتيجيات. فالناس التي خرجت إلى الشارع عاشت بالأيام والساعات حكم المحاصة على مدى الـ 12 سنة الماضية وعبروا عن رفضهم لممارساتها بعشرات الشعارات واكتفي بما كتبته في الأسطر السابقة عن الشارع. والسبب الأقوى المعطيات التاريخية. فلو استعرضنا الخلفيات التي كونت نسيج الشعب العراقي نجد لها جذوراُ تاريخية تعود إلى ما قبل الإسلام وزاد الإسلام من قوتها والدليل على ذلك أن الكرد استقلوا عن بغداد منذ خريف عام 1991أي قبل 25 سنة عندما انشغل الجيش العراقي في حروب عبثية ورغم قوة الداعين إلى الإنفصال فإنه وعى الآن ورغم القبول الدولي لهذا التوجه إلا أن الموروث في نفوس الكرد والأكثرية العربية يقف عائقاً نفسياً دون الانفعال. والأسباب أقوى بالنسبة للاكثرية العربية وبالرغم من هذا الانشطار السياسي على مدى 12 سنة وهذا الانشطار الجغرافي على مدى الثلاث سنوات الماضية خرج الرجال والنساء إلى الشارع يؤكدون وحدة الإنسان والأرض والمياه والهواء أما الثروات فإن النفط مستثمر في الوسيط والجنوب وله مردود قائم على، ثروات آخر النفط والغار في الغرب والشمال مستثمر وغير مستثمرة إذن فالدافع النفسي لوحدة الشعب العراقي أقوى من العامل المادي. لذلك نجد تخوف القيادات الشيعية من أن يكون قانون الحرس الوطني سبباً للتقسيم لذلك يرفضونه لأن لا سمح الله إن وقع التقسيم فإن الدولتين ستذهبان حصص إلى دول آخر. وبنفس الوقت على من يرفض قانون الحرس لأنه يقسم عليهم العمل وبنفس الوقت ضمان شركائهم في السلطة، وحق المواطنة مضمون للجميع.
|