سنتان غير قابلتان للتمديد والتجديد ستكون من نصيب كل مدير من مدراء المؤسسات والهيئات والأقسام والشعب، ومن بعدها سيجد نفسه جالسا على دكة الاحتياط، أو قابعاً في منفاه التقاعدي، بغض النظر عن مهاراته ومواهبه وخبراته المتراكمة.
هذا ما حملته لنا رياح التأرجح الوظيفي بذريعة تحسين الأداء، وهذا ما تقوله الإجراءات الارتجالية غير المدروسة، وبالتالي فأن الأخطاء المتوقعة، التي سنجني ثمارها في الأيام القادمة ستطيح بما تبقى من صروحنا الإدارية المهددة بالانهيار. آخذين بنظر الاعتبار أن غياب الركن الإداري الأهم (التوصيف الوظيفي) من تركيبة مؤسساتنا الحكومية، سيؤدي إلى اصابتها بالعجز التام والفشل الذريع، وقد تفقد قدراتها الذاتية في الوفاء بالتزاماتها المالية والتشغيلية والانتاجية. وبناء عليه ينبغي أن لا تجري الأمور على ما هي عليه الآن في غابات التقافز الإداري فوق درجات السلالم الوظيفية. حتى لا يصبح الباب مفتوحا على مصراعيه لمن هب ودب، فتتسرب منه رياح المحاصصات، وتتلاعب به تيارات المحسوبيات والمنسوبيات، فتحمل لنا بعض النماذج المرفوضة من المدراء، الذين لا تنطبق عليهم أدنى معايير الكفاءة، ولا تشملهم الاستحقاقات الوظيفية المتعارف عليها، وربما يتحولون إلى عقبة في طريق العملية الإنتاجية.
لقد سجلت تجاربنا السابقة أسوأ نتائجها، ولم تنجح في تحقيق خطوة واحدة نحو الأمام في مسيرتها المتعثرة، لأننا لم ننجح في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، إلا في حالات نادرة جدا ساقتها رياح الصدفة، فالاختيار والتعيين للمناصب العليا يجري عندنا خارج السياقات الصحيحة، التي تحدد صلاحية المرشح الأصلح، متجاهلين أن معايير العقل والمنطق والعدل والإنصاف تحتم علينا الاستناد على قاعدة التوصيف النوعي والوظيفي، وبخاصة حين يتعلق الأمر باختيار قادة المناصب الإدارية الرفيعة.
اتفقت الدراسات التنظيمية في الدول المتقدمة على أهمية (التوصيف الوظيفي)، الذي يعد من أهم مقومات الإدارة الناجحة، باعتباره الركن المتين الذي ينبغي الاستناد عليه في تحديد القيمة النسبية للوظائف، وفي الاستدلال على المسارات الصحيحة لخارطة التضاريس التأهيلية، وصولا إلى تشخيص مواصفات شاغل الوظيفة، وتحديد مستواه التعليمي، ومؤهلاته التخصصية، ومجالات خبرته ومدتها، وسماته الشخصية، وصفاته الاجتماعية، ومن ثم معرفة حدود مسئولياته، وسلطاته الوظيفية، وواجباته الأساسية، ورسم ملامح البيئة الإدارية التي يتعين عليه العمل فيها.
فالمرشح الذي تتوفر فيه الأهلية العلمية، ويتحلى بالاستقامة والإتقان والخبرة، هو الأنسب وهو الأفضل، بصرف النظر عن لونه وعرقه وطائفته وميوله الحزبية. أما إذا كان المرشح مؤهلا من وجهة نظر أمه وخالته وعشيرته وحزبه وواسطته، ويفتقر لأبسط المؤهلات المطلوبة، فمثله لا يصلح لملء الشاغر. لأن المرء عدو ما يجهل. بصرف النظر عن توفر حسن النية، وقد تسبب أمثال هؤلاء في تردي الأداء، وفقدان تكافؤ الفرص بين الموظفين الآخرين، وتسببوا في اضمحلال التنافس الشريف بينهم، وتسببوا أيضا في هجرة العقول والأدمغة، وسمحوا بتزايد نفوذ الوصوليين والانتهازيين والمرائين.
ولا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
|