إقدامك وإحجامك

يقول الأديب الراحل طه حسين إن هناك من «لا يُقْبِلُ على عَمَل إِلاَّ بَعْدَ الإِحْجَامِ الطَّويل». وهذا واقع فعلا، فالإحجام لغة هو التَّرَاجُعُ أو التَّردُّدُ أو الامتناع. هناك في المقابل المقدام في حياته. والإقدام فعل فيه سرعة إنجاز قد يشوبه شيء من مغامرة أو مخاطرة. ولذا يوصف المحارب الشجاع بالمقدام لأنه يتوغل بجسارة في أرض المعركة.
وكم من مقدام في قراراته دخل التاريخ حينما اقتلع رؤوس الفساد في بلاده. وكم من مقدام خسر كرسيه ووجاهة منصبه لأنه قال كلمة الحق في وجه من لا يقرب سوى جوقة المنافقين من حوله. ويكون المقدام أكثر مقدرة على اتخاذ «قرارات غير شعبية» لا تظهر أهميتها إلا بعد ردحٍ من الزمن. ولذا كان من الحكمة الاهتمام بمن يتحلى بهذه الخصلة. فنحن أصبحنا في زمن صار فيه كبار القادة يخشون من حملة «هاشتاغ» تنتقدهم في «تويتر» فيتراجعون عن قرارات مصيرية للبلد إيثارا للسلامة.
ولا يعني ترك الحبل على الغارب لمن تغلب عليه صفة الإقدام، لأنه قد يرتكب خطأ جسيما ولا يتعلم من فداحة أخطائه، فيصبح ديدنه مزيدا من التخبط. وهنا يأتي دور الرقابة المعقولة على هؤلاء، غير أنه من أسوأ صور إقدام المرء عدم تفريقه بين حبه للشيء ومقدرته أو استعداده على فعله. وعدم تحيّن اللحظة المناسبة لقراراته.
وعلى الجانب الآخر يأتي فعل «الإحجام» بمعنى التردد أو التراجع، فقد يكون نتيجة لتداعيات الإقدام غير المدروس وغيره، لكن هناك ما يستدعي الإحجام الفوري ككف الأذى ورفع الظلم وأن يتوقف كل من «يَهْرِف بما لا يعرِف» في المجالس والشاشات والهواتف الجوالة.
ومن صوره أيضًا إحجام اللصوص عن نهب البلاد والعباد حينما يَرَوْن تطبيقا حازما للقانون يردعهم. ونحن في أمسّ الحاجة حاليا إلى أن يحجم من يلعب بنيران الطائفية والقبلية بالكف عن سكب مزيد من الزيت على نيران الفتنة من حوله.
والإقدام والإحجام مثل الأدوات الحادة تستخدم في ما ينفع أو يضر. وإدراك الفارق بينهما يجعل أناسا في مقدمة الركب وآخرين يجرون أذيال الخيبة وراءهم.