ذكرى مذبحة البوسنة الجماعية |
شعب مسلم من أصول تركية.. يسكن البوسنة لأكثر من ستمئة سنة.. تعداده نحو مليوني نسمة وديع ومسالم ومتعايش مع جيرانه من الصرب والكروات وغيرهم من سكان يوغوسلافيا القديمة التي بناها بأخلاص الجنرال جوزيف بروز تيتو المتوفى عام (1980) بطل تحرير يوغوسلافيا القديمة المتكونة من عدة دول أو مقاطعات أو ولايات سًميًها ما شاءت.. فقد كانت موحدة أيام تيتو وتفرقت وتقسمت بعد رحيله بفترة لا تتجاوز عشر سنوات وهذه المقاطعات هي صربيا والبوسنة والهرسك والجبل الاسود (مونتينيكرو).. والبوسنة والهرسك جمهورية اعترفت بها الامم عام 1992 ونفوسها نحو أربعة ملايين نسمة نحو 48 بالمئة من المسلمين الاحناف و 52 بالمئة من المسيحيين الارثوذكس يشكلون 34 بالمائة منهم اما الكاثوليك فنسبتهم لا تزيد على 15 بالمئة من السكان. جمهورية البوسنة والهرسك.. لها ثلاثة رؤساء بوسني مسلم وصربي ارثوذكسي وكرواتي كاثوليكي.. والعاصمة سراييفو التي تعتبر متحفاً بحد ذاتها جمعت بين ثقافات الشرق والغرب.. الرومان تركوا لها الشوارع والجسور والمسلمون خلَفوا فيها المساجد والمزارات.. أما الامبراطورية النمساوية فقد ربطتها بشبكة سكك حديدية فريدة من نوعها وعملها الجنرال تيتو كان يحب سراييفو حباً جماً فأولاها رعايته وعنايته ورعاها من خلال وضع ميزانية اعمار وتطوير وتحديث ضخمة لها.. اما اللغات السائدة فهي الصربية والكرواتية والبوسنية.. نفوس العاصمة سراييفو في حدود اربعمئة الف نسمة.. كانوا يعيشون في وئام ومحبة الى أن حلت النعرات القومية والطائفية محل التعايش والتآخي وفهم الاخر والقبول به.. فكان يوم 11/7/1995 عندما أطاحت سيوف الحقد والتفرقة العنصرية والغلو الديني برؤوس نحو ثمانية الاف وخمسمئة ألف مسلم بوسني عندما جمعهم جنود كاراجيحو ميلوسوفيج وهم من كبار عتاة وطغاة البشرية حيث عزلوا الشبان والشيوخ والاطفال عن النساء واعدين اياهم بنقلهم الى أماكن اكثر أمناً ليلتحق بهم اسرهم فيما بعد.. ولكن الصربيين أخذوا المعتقلين المسلمين الى اماكن أخرى ليعدموا جماعياً وبدم بارد أمام أنظار المجرمين آنفي الذكر اللذين كانا يتطلعان في إزدهاء وسرور الى المشهد الدامي.. مشهد جز رؤوس ثمانية آلاف وخمسمئة ألف مسلم بريء لا لذنب جنوه إلا لكونهم مســلمين.
في حالة مشابهة تماماً لما حصل في مدينة حلبجة الشهيدة يوم 16/3/1988 عندما قصف الطاغية صدام حسين سكان هذه المدينة الشهيدة بالكيمياوي والغازات السامة ليستشهد أكثر من خمسة الاف إنسان بريء بين طفل وشيخ وشاب وامرأة وهم الذين قال فيهم الجواهري الكبير معيباً الطاغية المقبور زهوه في الانتصار المزعوم على الابرياء قائلاً :ـ
نصرُ على من ؟ على بيت ورًبته وطفل وعجوز هدَه إلكبر ُ
على أية حال.. فملة الطغيان واحدة.. دماء في حلبجة ودماء في سراييفو.. صدام هنا وكراجيح هناك.. وبالمناسبة فقد كان كراجيح صديقاً للطاغية المــقبور.
وبمناسبة عشرين سنة على مذابح البوسنة احتفل البوسنيون ومعهم شرفاء العالم في إحياء ذكرى ضحاياهم كان في طليعة الذين حضروا تلك المراسيم المهيبة التي تعالى فيها النداء العُلوي : الله أكبر.. وصدحت الحناجر المبدعة بآيات من الذكر الحكيم , أقول حضر تلك المراسم الرئيس الامريكي الأسبق بيل كلينتون وعشرات غيره من رؤساء وحكام العالم المتحضر. وختاماً نقول.. أن من المعيب حقاً على روسيا الاتحادية وهي وريثة نظام حمل راية الاشتراكية لنحو سبعين سنة أن تقف اليوم مهددة بـ(الفيتو) في حالة طرح مسألة هذه المذبحة أمام مجلس الأمن لأعتبارها جريمة (جبنوسابد) وإبادة بحق البشرية.. تقوم بذلك إرضاء لحكومة صربيا.. ضاربة عرض الحائط مصالح البشرية ومبادىء حقوق الانسان.
|