فساد المثقفين .. النصابين

في مقهى "الأدب الشعبي"، الذي أسسه بمدينة الثورة داخل مقابل البانزينخانة، أحد أقارب الشاعر عبد الحسين أبو شبع في أوائل السبعينات، كان يزورنا الشاعر الطيب ناظم السماوي. ذات جلسة هناك تقدم نحوه شاب ادعى انه شاعر موهوب وجديد. فرح به ناظم وطلب منه ان يسمعه شيئا من شعره. لم يكن شعرا بل سموه ما تشاءون. سأله ناظم: انت شتشتغل؟ لا شيء. عيوني شوفلك أي شغلة واترك الشعر تره لا تفيده ولا يفيدك. أجاب الشاب: ما اكدر. ليش؟ لأن شغلتكم خوش شغلة. زين احنا منو؟ انتم المثقفون والشعراء.
كنت في اول الشباب فتصورتها حالة. كبرت وإذا بها ظاهرة. شعور بالنقص عند البعض: اما ان يكون مثقفا او شاعرا او كاتبا والا فحياته، حسب تفكيره، عدم. وكل شعور بالنقص عند الانسان، بحسب علم النفس، يعوض بطريقين: الطبيعي او الملتوي. ومن عباءة الملتوي يخرج المجرمون والسراق والنصابون. تصوروا ان هناك من ينصب عليك لا بل وعلى المجتمع والدولة فيمرر نفسه على انه مثقف او شاعر او كاتب او اعلامي او مفكر!
المهرجانات الثقافية والأدبية والفنية وحتى السينمائية وفيكة العواصم الثقافية التي اقيمت خلال الـ 13 عاما الفائتة ألم يكن اغلبها او كلها نصب بنصب؟ كم عدد الذين اثروا ماديا في تلك المهرجانات وكم من فضائح فساد ثقافية علنية وسرية قيل ونشر عنها ولم تنجُ منها حتى المدن "المقدسة"؟
في العام 2010، مثلا، وفي شهر تموز منه شاءت الصدف ان أكون في القاهرة خلال ما سمي بـ "الأسبوع الثقافي العراقي". حضر الوفد العراقي بأسماء ما انزلت بها الثقافة من سلطان. كان حجم الوفد أكبر من الجمهور الحاضر الذي لم يتجاوز عدده أصابع اليدين. المنظمون 99% منهم، وبلا مبالغة، نصابون. شلون تعرف؟ لو أعطيت أيا منهم ورقة واجلسته لوحده ليكتب لك سطرين عن حياته وليس عن مسألة فكرية او نقدية، ستجده يتهجّى اسمه وحتى حروف الجر تجدها عنده "سايفه" بحسب صديقنا الفنان فلاح هاشم. البركة بتذاكر السفر وحجوزات الفنادق والكوميشنات وشدات الدولارات التي كانت تنفق من دون وجع قلب ثقافي او حتى وطني.
لا يفوتني ان اذكر بان النصب الثقافي، كغيره من أنواع النصب العامة والخاصة، ليس سهلا بل يتطلب ذكاء من نوع خاص. النصابون الثقافيون شبكة مافيا محترفة ومنظمة كما الميلشيات. من يعترض طريقها لن يسلم على جلده من حملات التسقيط والتشهير والطعن حد الضرب في الاعراض. وقد لا يسلم على حياته أيضا: سلاما ايها الهادي المهدي ويا ايها الكامل شياع.