إصلاحات العبادي الأخيرة.. زوبعة في فنجان



تراجع حجم الدعم الشعبي الذي كان يمتلكه العبادي قبل أسابيع، وتشير اللافتات والشعارات التي رفعها المتظاهرون في آخر أسبوعين إلى السخط وتوجيه الانتقادات ضده، وصلت حد إطلاق النكت والمزاح بشأنه، أكثرها وضوحا عندما وصفه المتظاهرون بأنه "طبيب تخدير"، وعبارات أخرى تقول له "لقد خذلتنا.. سنسحب التفويض منك".

وثمة عوامل قانونية وسياسية وإدارية متداخلة تجعل من إجراء الإصلاحات معادلة معقدة، يطلب المتظاهرون ومعهم رجل الدين الشيعي البارز علي السيستاني من العبادي إصلاح العملية السياسية، ولكن الحقيقة الغافلة ان العبادي هو جزء من العملية السياسية، وحصل على منصبه عبر المحاصصة الطائفية وبالتالي فان محاولات الإصلاح تبدو عرجاء.

على المستوى السياسي، أثبتت تجربة الحكم في العراق بعد 2003 أن القرارات المصيرية التي تخص العراقيين لن تقر ويكتب لها التطبيق دون اتفاق جميع القوى الشيعية والسنية والكردية طبقا لفلسفة الحكم القائمة على الإجماع الثلاثي، والإصلاحات وهي من أهم القرارات السياسية خلال 13 سنة الماضية لم يتم استشارة الأحزاب والكتل السياسية فيها.

أول قرارات العبادي للإصلاح هي إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء التي فوجئ بها هؤلاء وسمعوها عبر الإعلام، ولكن تطبيق هذا الأمر لم ينفذ عمليا، وما زال نواب رئيس الجمهورية نوري المالكي وأسامة النجيفي وإياد علاوي يشككون في القرار لأسباب قانونية وسياسية.

بعدها أعلن العبادي فجأة عن إلغاء أربع وزارات ودمج أربع أخرى مع وزارات ضمن خطة يهدف العبادي من خلالها إلى تقليص عدد الوزارات، ولكنها أيضا تمت دون استشارة الكتل السياسية، بعض الكتل اتهمت العبادي بالاستهداف المقصود، وعند البدء بتطبيق القرار ظهرت مشاكل سياسية وقانونية وإدارية.

وزارة حقوق الإنسان من بين الوزارات التي ألغيت، قال وزيرها محمد البياتي في مؤتمر صحافي انه لم يعلم بإلغاء وزارته إلا من خلال وسائل الإعلام، كما إن العبادي لم يبلغه بهذا القرار، ولأن البياتي من التركمان الشيعة، نظم التركمان الشيعة في كركوك تظاهرة وقطعوا الطريق بين كركوك وبغداد، وهددوا بسحب مقاتليهم من "الحشد الشعبي" الذين يقاتلون "داعش".

العبادي لم يبلغ الكتل السياسية بهذه القرارات قبل إصدارها، وهو أمر خلق مخاوف لديها من تفرده بالسلطة، واتخاذ قرارات ضد الأحزاب والكتل السياسية بحجة تنفيذ إصلاحات مقابل إبقاء حزب "الدعوة" و"ائتلاف دولة القانون" -الذي ينتمي إليه العبادي- قوياً في الساحة السياسية.

يقول هوشيار عبد الله النائب عن كتلة "التحالف الكردستاني" لـ "نقاش" إن "هناك مخاوف لدى الأكراد وأطراف سياسية سنية وشيعية من التفرد بالسلطة من قبل جهة سياسية معينة، نحن نؤيد الإصلاحات بكل تأكيد، ولكننا نريد أن تكون إصلاحات قانونية وواضحة وتستند على معايير مهنية".

آخر الإصلاحات التي اعلنها العبادي هي إلغاء 123 منصبا حكوميا بدرجة وكيل وزير ومدير عام، من اجل توفير الأموال الطائلة التي يحصل عليها هؤلاء من الرواتب والامتيازات، ولكن المشكلة إن هذه المناصب كما هو معروف في العراق لا يحصل عليها سوى الذين ينتمون إلى الأحزاب والكتل السياسية، وان هؤلاء المسؤولين ومن خلف أحزابهم لن يسكتوا بسهولة عن خسارة هذه المناصب.

على المستوى القانوني، تواجه إصلاحات العبادي عراقيل قانونية ودستورية كثيرة، وعلى سبيل المثال فإن إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ليست من صلاحية العبادي ولكنه قرر إلغاءها دون إبلاغ احد، فيما بعد شعر العبادي بخطئه وطلب من البرلمان إلغاء هذه المناصب ووافق الأخير على ذلك، ولكن الكتل السياسية ما زالت غير مقتنعة بالإصلاحات في السر وتعلن تأييدها لها أمام وسائل الإعلام.

من أكثر القرارات تعقيدا إلغاء أربع وزارات وهي "حقوق الإنسان"، "المرأة"، "شؤون المحافظات" و"شؤون مجلس النواب"، إضافة إلى دمج وزارة "العلوم والتكنولوجيا" مع وزارة "التعليم العالي"، ودمج وزارة "البيئة" مع وزارة "الصحة"، ودمج وزارة "البلديات" مع وزارة "الإعمار والإسكان"، ودمج وزارة "السياحة والآثار" مع وزارة "الثقافة".

إلغاء هذه الوزارات ودمج وزارات مع بعضها عملية معقدة تحتاج إلى الوقت وتحتاج أيضا إلى إلغاء قوانين، وتشريع قوانين إدارية جديدة كان يجب أن يتم اتخاذها قبل تنفيذ هذه القرارات.

كما هو معروف فإن رواتب موظفي الوزارات في العراق غير ثابتة، هناك وزارات رواتبها عالية وهناك وزارات أخرى رواتبها قليلة، ومثلا فان معدل راتب الموظف في وزارة البيئة 500 دولار، بينما معدل راتب الموظف في وزارة الصحة 800 دولار، عند دمج الوزارتين معا يجب على الحكومة توفير العدالة في الرواتب على اعتبار إنها أصبحت وزارة واحدة باسم وزارة "الصحة والبيئة"، ونفس المشكلة مع باقي الوزارات التي تم دمجها مع بعضها.

وزير البيئة قتيبة الجبوري انتقد قرار إلغاء وزارته وقال في بيان رسمي إن "قرار دمج وزارة البيئة مع وزارة الصحة مخالف للدستور لان وزارة البيئة لها قانون خاص منذ عام 2008 وهي وزارة رقابية، بينما وزارة الصحة تعتبر خدمية، ويجب أولا تعديل القوانين".

هذه الوزارات في الحقيقة هي وزارات غير مؤثرة، أنشأتها الكتل السياسية عام 2005 و2009 لإرضاء القادة السياسيين الباحثين عن مناصب عليا، ولأن عدد الوزارات كان لا يكفي مع عدد المسؤولين تم إنشاء هذه الوزارات الجديدة، بينما ابتعد العبادي عن إصلاح الوزارات الكبيرة والمهمة.

النائب هشام السهيل يقول لـ "نقاش" إن "قرار دمج الوزارات كان يجب أن يشمل وزارات كبيرة مثل وزارة الكهرباء مع وزارة النفط، ووزارة الزراعة مع وزارة الموارد المائية التي تضم آلاف الموظفين والمناصب العليا، وتكلف الدولة أموالا طائلة".

المشكلة اكبر مع الوزارات الأربعة التي ألغيت تماما وتضم آلاف الموظفين، قررت الحكومة أن تتكفل وزارة المالية بدفع رواتبهم، ولكن هل سيبقون بلا عمل؟ وكان من المفروض أن ترسم الحكومة خطة لتوزيع هؤلاء الموظفين على باقي الوزارات قبل أن تقرر إلغاء الوزارات الأربعة.

وقرار تقليص أعداد عناصر الحمايات الشخصية للمسؤولين يواجه أيضا مشاكل، قرار العبادي تضمن تقليص 90% من أعداد الحمايات وتحويلهم إلى وزارتي الداخلية والدفاع ليشاركوا في المعارك ضد تنظيم "داعش"، وهذا القرار خلق مشكلتين، الأولى إن هناك تباين في رواتب عناصر الحمايات مع عناصر الجيش والشرطة، رواتب الحمايات أعلى بكثير.

المشكلة الأخرى إن اغلب عناصر الحمايات يهددون بتقديم استقالاتهم، لأنهم تطوعوا للعمل في حماية الشخصيات السياسية وليس الحرب مع "داعش" وهو ما سيجعلهم عاطلين عن العمل.

حتى القرار الذي اتخذه العبادي بإلغاء 123 منصبا حكوميا بدرجة وكيل وزير ومدير عام لتوفير الأموال في خزينة الدولة، فان مصيرهم سيبقى مجهولا، هل ستقوم الحكومة بتحويلهم إلى التقاعد؟ وبالتالي هم سيتسلمون رواتب تقاعدية كبيرة.

في النهاية لا يبدو الجميع راضياً عن إصلاحات العبادي، المتظاهرون والأحزاب السياسية والسكان العاديون ينتقدون هذه الإصلاحات، ولكل منهم أسبابه الخاصة.

شمخي جبر احد الفاعلين في تظاهرات ساحة التحرير في بغداد يقول لـ "نقاش" "للأسف الإصلاحات لم تتخذ خطوات حقيقية لتنفيذ مطالب المتظاهرين، قرارات العبادي غير مؤثرة وهي لإسكات المتظاهرين، ولن نشهد أي تغيير في الواقع على المستوى السياسي والخدمي".

العديد من الندوات واللقاءات السياسية والاجتماعية عقدت لمناقشة الإصلاحات الحكومية وجميعها غير راضية عن الإصلاحات، في إحدى الندوات التي عقدها "المجلس العراقي للسلم والتضامن" بعنوان (رؤية حول جدية الإصلاحات الحكومية) وحضرتها "نقاش"، قال النائب السابق وائل عبد اللطيف في نهاية الندوة إن "الإصلاحات الحكومية لا تمس جوهر المشكلة في العراق، يجب محاسبة الفاسدين من المسؤولين الكبار وهذا لا يتم إذا لم يتم إصلاح القضاء".

أما السكان العاديون فلا يعتقدون بأن هناك تغيّراً واضحاً في حياتهم اليومية، ويقول قاسم الربيعي وهو عامل بناء يسكن مدينة "الصدر" شرق بغداد لـ "نقاش" إن "الإصلاحات لعبة سياسية، لم نرَ تغييراً في حياتنا، ما زالت الطاقة الكهربائية سيئة، والمياه ملوثة وزحمة السير في الشوارع مستمرة، وما زال السياسيون يتمتعون بامتيازاتهم، أين التغيير"؟.