يمثل الالتزام الأخلاقي أو ما يُسمى بـ«الأمانة الطبية» خط الدفاع الأول لدى الوسط الطبي أمام جنوح البعض فيهم نحو استغلال احتياج المرضى في التسويق لعلاجات مُكلفة ماديا على المريض ومربحة جدًا لموفرها، دون أن تكون ثمة أدلة علمية تدعم إثبات جدواها العلاجية وأمان تلقي المرضى لها. ولذا تمر وسائل المعالجة، الدوائية وغير الدوائية، بمراحل من الاختبارات والتقييم للوصول إلى إثبات أنها مُجدية بالفعل مقارنة مع هو متوفر حاليًا وأنها آمنة لتلقيها من قبل المرضى. ولذا أيضًا، فإن أول ما يفقد الممارس الطبي هو أمانته الطبية في معالجته للمرضى تحت ضغط مبررات واهية وباستخدام وسيلة «احتياج المريض» للعلاج. وأحد المجالات التي يحصل فيها كثير من الخلط هو الطب التجديدي Regenerative Medicine باستخدام تقنيات الخلايا الجذعية Stem - Cell–Based Technologies. وكانت مجلة نيو أنغلاند الطبية New England Journal of Medicine قد طرحت ضمن عدد العاشر من سبتمبر (أيلول) الحالي دراسة علمية للباحثين من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو حول مدى انتشار العيادات والمستشفيات التي تُقدم المعالجات باستخدام الخلايا الجذعية ومدى مطابقة خدماتها العلاجية تلك وفق الشروط الطبية، وأسباب انتشار هذه العشوائية العلاجية باستخدام وسيلة الخلايا الجذعية المحتملة الفائدة. واستخدم الدكتور هيرميس تايلور وينر، كبير مُعدي الدراسة من جامعة كاليفورنيا، كعنوان لدراسته عبارة «طب الغرب المتوحش - عيادات الخلايا الجذعية غير المصرح لها بالولايات المتحدة» Medicine›s Wild West — Unlicensed Stem - Cell Clinics in the United States. وقال في مقدمتها ما نصه: «في العقود الأخيرة نشأ أمل هائل في أن تُدخل تكنولوجيا الخلايا الجذعية الطبَ في حقبة جديدة من الطب التجديدي وتُحدث ثورة في علاج الأمراض. ورغم أن هذه الوسيلة العلاجية تحمل في طياتها احتمالات آمال كبيرة فإن هذا المجال غير متقدم علميًا مقارنة بما هو يُعتقد لدى عموم الناس. وعيادات الخلايا الجذعية في الولايات المتحدة وخارجها تستغل هذا الخلط عبر بيع علاجات غير موافقٌ طبيا عليها من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية، ولا تدعمها دراسات علمية ولا يُغطي تكاليفها التأمين الطبي». ووفق ما أشار إليه الدكتور وينر في دراسته فإن إدارة الغذاء والدواء أعطت موافقتها على استخدام نوعية محددة من الخلايا الجذعية المستخلصة من أنسجة لها علاقة بالدم، أي نخاع العظم، في علاج عدد محدود من أنواع أمراض الدم، بينما ما تقدمه عيادات المعالجة بالخلايا الجذعية في الولايات المتحدة تستخدم فيه خلايا جذعية مستخلصة من أنسجة شحمية لمعالجة طيف واسع من الأمراض كفشل القلب ومرض باركنسون العصبي وغيرها كثير. وأضاف قائلاً ما نصه: «ثمة المئات من تلك العيادات داخل الولايات المتحدة والآلاف خارجها، وهذه العيادات لا تدعي أن معالجاتها فاعلة ولا أنها مبنية على غير أساس، ومواقعها الإلكترونية تضع عملها ضمن إطار التجارب رغم أن أيًا من تلك العيادات لا تُجرى ما تقول إنه تجارب ضمن ما وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء الأميركية كتجارب، ومواقعهم الإلكترونية تستخدم عمدًا لغة غير دقيقة علميًا وتستغل ضعف المرضى الذين يُعانون من أمراض منهكة. ويجدر إعطاء هؤلاء المرضى جرعات من الشك المفيد صحيًا لهم عند نظرهم إلى تلك العيادات وعملها». ولذا علق الدكتور ديفيد كاتز، مدير مركز أبحاث الوقاية بجامعة يال الأميركية، بالقول: «إلى أن يتم تنظيم عمل هذه العيادات فإنه يجدر الحذر، والعلاج بالخلايا الجذعية يمثل تطورًا محتملاً في الطب ولكن لا يتوفر بشكل كاف مطلقًا الأساس العلمي لكثير من مجالات الأمل فيه. ولكن يبقى يأس المريض مولدًا لسذاجة التصرف. ولهؤلاء المرضى فإن عليهم أن يكونوا حذرين مما قد يبدو جيدًا لدرجة لا يُمكن تصديقها». والإشكالية لا تقتصر على هدر مال المريض اليائس في بحثه عن أي علاج يُخفف معاناته، بل يمتد إلى احتمالات تسبب هذه المعالجات بانتكاسات صحية نتيجة عدم ثبوت أمان تلقيها وعدم ثبوت جدواها، والأهم حرمانها المريض من التوجه لتلقي المعالجات التي قد لا تُزيل تلك الأمراض عنه بالمطلق ولكنها ثابتة الجدوى والأمان في تخفيف معاناة المريض منها. والشأن ليس هو تثبيط العمل على تطوير الاستفادة من هذه الوسيلة العلاجية المحتملة الفائدة ولا تكلفتها المادية العالية، بل هو أن أي وسيلة علاجية جديدة ستمر بلا شك بمراحل متدرجة من التجارب لتوثيق جدواها وأمانها. ولكن هذا المشوار من التجارب يكون منضبطًا ضمن عناصر عدة، من أهمهما أمران، أن يعلم المريض أنها تجارب ويُقبل بملء إرادته لاستخدامها أملاً في أن تحقق له الفائدة المحتملة، والثاني أن تتم كتجارب وفق ضوابط البحث العلمي وأخلاقيات ممارسة تقديم المعالجات الطبية التجريبية المحتملة الفائدة.
|