«جائزتي الحقيقية هي جائزة الجمهور» من حين لآخر نسمع مغنيًا يقول ذلك مؤكدًا أن جوائز لجان التحكيم لا تهمّـه. وهو قد يكون ممثلاً أو مخرجًا أو بهلوانًا في السيرك. المهم هو أن هذه العبارة تتردد في العام الواحد أكثر من عشر مرّات من قِـبل عشرة فنانين، كل واحد يقولها بثقة ونصفهم على الأقل لا يعنونها. ترى لو أن أحدهم عرض عليه الفوز بجائزة من لجنة تحكيم هل سيقول بعد تسلمها إنها لا تهمّـه بل ما يهمّـه هو جائزة الجمهور ورضاه؟ وهناك عبارات أخرى مماثلة، من أكثرها تكرارًا أيضًا: «بقدر ما تكون فنانًا محليًا بقدر ما تكون فنانًا عالميًا». وهذا ليس صحيحًا. 95 في المائة من فنانينا وفناناتنا محليون مائة في المائة وغير معروفين حول العالم مائة في المائة أيضًا. مسيرة يوسف شاهين شهدت أفلاما محلية الموضوع جدًا («باب الحديد» و«الأرض») وأفلامًا أخرى خرجت إلى العالم بنجاح، لكنه من الاستثناءات. صوت فيروز وشهرة أسمهان وأدب نجيب محفوظ من تلك الاستثناءات القليلة أيضًا. وليس صحيحًا أيضًا العبارة المترددة اليوم أكثر مما مضى، على تاريخها الطويل من التكرار ومفادها أن هناك مرحلتين ضروريّـتين للممثل هما «الانتشار» و«الاختيار». الحقيقة أن الكثير جدًا من الممثلين (من بينهم يحيى الفخراني مثلاً) التزموا منذ البداية بمنوال من الأعمال الجادّة، تلك التي يتوخى الوصول إليها المنادون بحل المرحلتين، وفي المقابل أكثر منهم الذين دخلوا مرحلة الانتشار منذ سنواتهم الأولى وبقوا فيها إلى اليوم. والمشكلة هي أنه لا أفلام الانتشار (أو أعمال أي فن آخر) هي بالضرورة سيئة ولا أفلام الاختيار هي بالضرورة جيّـدة. وعلى النحو ذاته من التعابير المتكررة القول: إن السينما التسجيلية هي السينما ذات القضايا وهي السينما الواقعية حقًا. أستطيع أن أملأ باقي المساحة هنا بقائمة من الأفلام الروائية التي تطرقت، وبإجادة، إلى عشرات القضايا. بل هي أكثر عددًا من الأفلام التسجيلية التي تطرقت ونجحت وهناك أفلام تسجيلية تطرّقت وفشلت. وعلى النحو ذاته القول: إنها سينما الواقع، لأن آخر ما نريده من السينما أن تكون عن الواقع وحده. الفن عليه أن يأتي أولاً والواقع والمضمون وكل تلك الجوّانيات المأمولة والرسائل الهادفة، أن تتعامل أولاً مع الفن وإلا خرج الفيلم أقرب لأن يكون وصفة طبية أو منشورًا لحزب ما. وليس هناك أكثر طرافة من وصف السينما الجيدة بالسينما المستقلة، كما لو أن حال الإنتاجات التقليدية مزدهر ومنتشر بحيث باتت هناك سينما تخرج عنها ويمكن تسميتها بالمستقلة، علمًا بأنه ليس كل فيلم مستقل جيدا وليس كل فيلم تقليدي رديئا. إنها مفاهيم مخلوطة لم يكترث معظم مردديها لدراسة منطلقاتها أو لبحث حقائقها الفعلية. وأعتقد أن سبب الخلط وتكرار العبارات ذاتها (وهناك الكثير مما ورد هنا) عائد إلى أننا لا زلنا في المكان نفسه الذي كان فيه آباؤنا. تختلف الوسائط وتتطوّر تصاميم السيارات الحديثة والمنتجات الصناعية ويستبدل الناس عاداتهم البسيطة من ملابس وأثاث، لكن معظمه يعيش في المفهوم ذاته الذي يعتقد أنه سيخرج منه بمجرد الاستجابة للتكنولوجيا.
|