هاشم جواد وزير خارجية العراق وذكرياته عن الزعيم عبد الكريم قاسم .. سعر الدينار العراقي في بيروت ينخفض حينما يصلها حردان التكريتي



وهكذا تمّ اعتقال هاشم جواد لورود اسمه في تلك القوائم باعتباره شيوعيا، ويقول القطيفي انهم اوضحوا ان هاشم جواد ليس شيوعيا، وقد تبين بعد ذلك ان هذا خطأ مطبعي، فالمطلوب هو هاشم عبدالجبار العسكري الشيوعي المعروف في تلك المرحلة، والذي كان لاجئا سياسيا في براغ في حينها، وقد تذكرنا قصيدة الجواهري التي يذكر فيها البيت المشهور: تصور الأمر معكوسا وخذ مثلا، وبالذات جملة. تالله لاقتيد زيد باسم زائدة.. الخ.
قلت لهاشم جواد ان اسمه يرد ضمن الحركة اليسارية بشكل عام، سألته ان كان قد ارتبط بحزب او حركة يسارية، فقال ان استاذه المشرف كان من الاسماء اللامعة في تلك الحركات، ورفض هاشم هذه الفكرة "الساذجة اصلا" مشيرا الى انه كان طوال حياته مستقلا. واود ان اشير هنا الى ان هاشم جواد شخص يمكن ان نطلق عليه تسمية المثقف التكنوقراط، والانسان الذي يفرض احترامه على الجميع بفضل علمه وتخصصه وثقافته.تحدث هاشم جواد بعدئذ عن احترامه الكبير لكامل الجادرجي وللحزب الوطني الديمقراطي، مؤكدا انه قريب جدا من مدرسته الفكرية، قال هاشم انه لا يختلط الان بالعراقيين في بيروت ما عدا محمد حديد، والذي يتصل به رأسا عندما يأتي الى بيروت، ومدحه كثيرا وأسماه "الشخصية العراقية الاصيلة اخلاقا وعلما ونزاهة ووطنية"، وابتسم هاشم قائلا: تصور ان شخصا بمستوى حردان التكريتي (الذي كان في تلك الفترة في قمة السلطه البعثية) عندما يصل الى بيروت، ينخفض تصريف الدينار العراقي، فتعجبت وسألته: ما علاقة ذلك بالتصريف؟ فأجاب: لأنه يجلب حقائب كاملة مليئة بالدنانير العراقية، ويجري تصريفها، ويؤدي ذلك الى انخفاض سعر الدينار العراقي، وقارن هاشم هذا التصرف باخلاقيات رجال السياسة العراقيين في العهدين الملكي والجمهوري الاول، وتحدث بالم ومرارة عن الانهيار الأخلاقي الرهيب الذي وصل اليه حكام العراق.لم نتحدث فقط في السياسة، اذ تشعب الحديث، وتناولنا الثقافة، فاخبرته باني وجدت كتابا له في مكتبة لينين بموسكو صادر في القدس عام 1945، فقال انه لا يمتلك الان نسخة من هذا الكتاب ولكنه يعتز به ويتذكره، سألته عن علاقته بالجامعة الامريكية في بيروت التي تخرج فيها فقال انه لازال يزور مكتبتها ويحضر حفلاتها الموسيقية (مداخلة: توجد في واجهة الجامعه الامريكية في بيروت صور لمجموعة من خريجيها، الذين برزوا فيما بعد، ومن بينها صورة هاشم جواد بالطبع). انتقلنا للحديث عن حبه الاكبر وهي القراءة والمطالعة بلا انتهاء، وسألني اسئلة العارف عن خفايا الادب الروسي، وتوقف طويلا عند، الاديب والمفكر الروسي الكبير الكساندر سولجينيتسن، فسألته متعجبا: ان العرب لم يسمعوا بعد باسمه اصلا، فقال انه قرأ نتاجاته وانه شخصيه فكرية عملاقه كشفت ازمة اخلاقية كانت مجهولة للعالم قاطبة، وان على العرب ان يدرسوه، فابتسمتٌ وقلت له ان العرب لا زالوا بعيدين عن التعمق بدراسة آداب العالم بشكل عام، ولا توجد في جامعاتهم اقسام علمية خاصه بدراسة تلك الاداب لحد الان، فقال بأسى: نعم، اتمنى ان يتحرر العرب من عقلية عنتر، وعندها يستطيعون فقط ان يواصلوا مسيرتهم الحضارية مع العالم.قٌتل هاشم جواد في بيروت بعد عدة اشهر من هذا اللقاء، وقد صعقت للخبر، وكنت حينها في بغداد، وقلت بيني وبين نفسي كم كان قراري صحيحا بالعودة من باريس الى بغداد عبر بيروت كي التقيه خصيصا واستمع اليه.اقترحت على الاستاذ الدكتور عبدالحسين القطيفي ان نصدر كتابا مشتركا عن هاشم جواد في اواسط التسعينات، وقد وافق القطيفي – وبكل حماس- على ذلك، وقال انه مستعد ان يكتب ذكرياته عنه، وتشعب الحديث معه عن هاشم جواد، اذ انهما عملا معا في وزارة الخارجية، وكل هذا يقتضي ان اكتب حوارا خاصا مع القطيفي، هذه الشخصية العلمية العراقية المرموقة، التي اصدر صدام حسين بحقها امرا اداريا عزله بموجبه عن منصبه عميدا لكلية القانون بجامعة بغداد وجرده من لقب الأستاذية.