قبل خمس وخمسين سنة ،زرت بغداد،ولم ابرحها حتى يومنا هذا .ادهشتنى تلك المدينة العظيمة بشوارعها النظيفة وبيوتها العالية جدا جدا .وحياتها الصاخبة نهارا وليلا .جئتها بحثا عن وظيفة ،ومن حسن حظي ان حصلت على ما اردت ،من دون تأخير، وفي بغداد نفسها . كان المفروض ان اقول :ادهشتني هذه المدينة ،وليس تلك ،,لان بغداد هذه لا صلة لها ببغداد تلك .لندع الماضي المبهر لعاصمتنا،ولنتحدث عن حاضرها المزري ،فبغداد اليوم لم يعد يتغنى بها الشعراء,وصورتها لم تعد تسر الناظرين .وبايجاز شديد،بغداد صارت اثرا بعد عين ,ويكفي القول انها صارت من المهانة بحيث اوكل الاغبياء امرها الى (رجل) مثل عبعوب ( اجلكم الله ). شوارع بغداد القديمة اليوم متربة صيفا ، تتحول الى انهار واسعة للمياه الاسنة شتاء ،ورشيدها وسعدونها وكفاحها وجمهوريها، لا يرى فيها الناظر الا ما يغيضه ،فالمباني التراثية صارت تتهاوى ،وقد هجرها اهلها .وصار اهلها يهربون منها مرغمين . زرت عواصم العديد ممن كانت تسمى بالدول الاشتراكية في السبعينيات ،وعواصم بلدان الخليج ،باستناء الكويت ،في عام الفين وما بعده ،ولم اجد مدينة هناك حالها مثل حال مدينة السلام .ولم اشاهد شارع بلا رصيف كما هو حال شوارع بغدادنا ! وتساءلت مع اصدقائي كثيرا عن الحكمة في الغاء الرصيف ،فكانت الاجابة ساخرة وهي : ان الحكمة التي سألت عنها استقرت بأمان في جيوب امناؤها ومن هم دونهم الى درجة المراقب البلدي ! وحين سألت :كيف؟ جاءت الاجابة صاعقة : باعوا الارصفة لاصحاب المحلات التجارية ،ومالكي الدور التي تقع على الشوارع الرئيسية ،وباعوا الساحات العامة لاصحاب ( البسطات)! وسألت :من باعها ؟ فكان جوابهم : صغار موظقي الامانة بامر من مديري الوحدات البلدبة، وبعلم من امناء بغاد على التوالي منذ (التحرير) الى يوم تولت امانتها السيدة الجميلة !واضافوا: حصل الجميع على حصته من المراقب الى الامين وحسب الدرجة الوظيفية !وقلت لبعض من يعرفون ما خفي على العامة :الم تدر مفتشية الامانة ؟واين النزاهة من هذا؟ فكان الجواب :لهم حصتهم في الفطيسة!..ومرة سخر واحد ممن سألتهم :هل تستغرب عندما ترى شارعا بلا رصيف؟فقال لي :نرى من حكامنا الحاليين مالم يعقل,,وتريدنا ان نستغرب من هذا ؟!
|