الصنم المقدَّس

الشعار ليس دائماً واقعيّ الإخبار ، فهناك من الشعارات ما لا يطابق الواقع مطلقاً . لنأخذ ذلك الذي رفعه بعض المتظاهرين المؤدلجين او السذّج او المضغوطين ضد الاسلام في العراق خلال المظاهرات التي شهدتها الساحة العراقية في الفترة السابقة . منطلقين من دعوى انّ الإسلاميين هم من يحكم البلاد اليوم ، في الوقت الذي يغفل رافعو هذا الشعار عن الشراكة الاستراتيجية بين هؤلاء الإسلاميين وبين اخوتهم من العلمانيين الأكراد او العرب السنة او الشيعة المتغربين ، بل وحتى الملحدين الذين يتربعون اليوم على عرش الكثير من المؤسسات الأدبية والثقافية والمالية والإعلامية الرسمية ، لكن يعيشون حالة النفاق والالتصاق على جدران الظلام .

نعم ، الاسلاميون يحكمون هنا كشركاء مهمّين وفاعلين ، لكنّ الاسلام لا يحكم في العراق .

ولبيان ذلك يمكننا الاستدلال بعالم المقاولات والصفقات الذي تولد وتنمو فيه كل مظاهر الفساد والإفساد ، صغيرها وكبيرها ، حتى تنفجر سوءاً يعمّ البلاد من الشمال الى الجنوب ، وهو كذلك الممول الاخطر لعمليات الارهاب ، والمصدر الذي تنطلق منه خفافيش الظلام السياسي . ففي هذا العالم يحكم الاسلام ( انّ مَن كسر كسراً فعليه جبرُه ) ، بمعنى انّ المقاول الفاسد ملزم بإعادة عمل ما صنع من مشاريع سيئة ، لكنّ القانون الوضعي الذي يحكم العراق اليوم يقول ( انّ المقاول الفاسد ليس عليه سوى دفع الغرامة المالية ) ، وهي الغرامة التي كان هذا الفاسد قد استقطعها مسبقاً من أموال المشروع المدفوعة له من خلال صفقة مع سياسي فاسد . لذلك ليس الاسلام هو الذي سبّب الاذى للعراق بل الخليط بين الإسلاميين والعلمانيين الذي صنعته الفوضى الامريكية بعد ٢٠٠٣ م . فالقوانين العراقية جميعها وضعية غير شرعية ، لكنّ الخدعة كانت في استخدام هذه الدمى التي تسمّى رجالات الأحزاب الاسلامية .

وكل ذلك لم يكن ليمرّ دون غطاء من مرجعية دينية تدجّن الناس بالتزامن مع التجهيل الذي تنشره الحكومات الفاسدة . وهذه المرجعية لابد ان تحظى بهالة من القدسية تساعدها في حجب اعين الناس عن حقيقة ما يُراد بهم . وفعلاً كان ذلك .

لكن لماذا تقدّس فئاتٌ اجتماعية كبيرة هكذا رجلَ دين ؟ .. ولماذا يسري احترامه في المجتمع الذي يهلك بسببه ؟ ، بعيداً عن تناول الدعم الخارجي لوجوده .

لذلك أسباب عديدة : ففئة تدفعها باتجاهه السذاجة لا اكثر ، نعم وبكل بساطة ، وفئة بدتْ عوراتها فطفقتْ تخصف عليها من ورق الجنة ، بمعنى انها لا تريد اكثر من غطاء شرعي بالوهم لسيرتها السيئة توفّره هكذا مؤسسة دينية غير فاعلة ، واُخرى ارادت أنْ تعزّز من وجود الدين على المسرح السياسي الفاسد ، لتثبتْ انّه جزء من هذا السوء ، ولم تجد أفضل من مرجعية ضبابية لأداء هذا الدور ، فيما هناك ايضاً فئة عاشت مقدمات فكرية ودينية مغلوطة قادتها الى تقديس المؤسسة الدينية الخاطئة ، وبالتالي هي تعيش التطبيقات غير الصحيحة لمدخلاتها المفهومية ، وهذه الفئة الاخيرة ستسير باتجاه الإلحاد مستقبلاً ما لم تغيّر من افكارها النظرية ، لانها ستجد نموذجها الاسلامي منهاراً مستقبلاً .