شعب الطوارىء الطبيـَّة.. إمكانياتٌ محدودة وكادرٌ مهـدَّد


يشكو العديد من المراجعين للمستشفيات الحكومية حالة الفوضى التي تعيشها شِعب الطوارىء بسبب كثرة المراجعين وانتشار النفايات الطبية والأوساخ المنتشرة في الممرات، ذلك الوصف أشاهده مراراً وأطرحه للمسؤول في تلك الدائرة عن أسباب هذا الإهمال، هل هناك مشكلة في طبيعية الخدمات ام هناك خلل في منظومة العاملين في ادارات المتشفيات وخصوصاً شِعب الطوارىء؟
(المدى) استمعت إلى العديد من آراء المعنيين والمختصين بمسؤولية البعض العاملين في وزارة الصحة بذلك والآخر طلب من الجميع الإطلاع الميداني للواقع الفعلي لعمل تلك الشِعب، وعاشت ليلة امس الاول في طوارىء مستشفيات الكندي والشيخ زايـد ومدينة الطــب.

أكثـر من 900 مراجع شهرياً
مستشفى الشيخ زايد الذي يُعـد أحد المستشفيات المتخصصة في حالات الطوارىء يستقبل أكثر من (900) حالة شهرياً وبمختلف الإصابات. الممرض هيثم رشيد يُشير في حديثه لـ(المدى) الى ان شِعب الطوارىء تستقبل يوميا العديد من الحالات التي تصل احياناً الى اكثر من (40) حالة خطيرة حسب توصيف نظام الطوارىء المعمول به في مستشفياتنا، مضيفا: منها حالات الدهس او الطلق الناري بسبب المشاجرة او الاعتداءات الشخصية والطعن بآلة حادة بالإضافة الى إصابات طبيعة مثل ارتفاع ضغط الدم وغيرها من الأمراض المزمنة.

وأوضح رشيد أن نصف تلك الأعداد التي تصل بسبب مشاكل وخلافات شخصية اوعائلية او سوء فهم خصوصاً بعد منتصف الليل، مشيرا إلى ان هناك حالات لمحاولة انتحار عدد من النساء او الاصابة بحالة تسمم مقصودة او الشجار العائلي الذي يصل الى ضرب الزوجة بعنف، شاكياً: ان مشكلتهم ليست بعدد الحالات وانواعها، بل بأعداد المرافقين التي تصل أحياناً الى عشرة أشخاص مما تسبب حالة الفوضى والهرج وحتى ارتباك الكادر الطبي!

الحوادث المرورية

مستشفى الجملة العصبية كانت محطتنا وعند وصولنا فوجئنا بأن هناك أكثر من (40) شخصاً يرتدون الزي العربي بالانتظار لغرض زيارة أحد المرضي الراقدين الذي تعرَّض الى حادث مروري الأمر الذي أدى الى تعرض جمجمة الرأس إلى إصابة بالغة. الدكتور المقيم ناصر عبدالرزاق يوضح لـ(المدى) اننا في موقف محرج بسبب حوادث المرور حيث تستقبل الطوارىء اكثر من (70) حالة شهرياً معظم تلك الاصابات خطيرة وقد تودي الى موت الشخص، مستطردا: نعمل وفق امكانيات عالية جداً لكن مخاوفنا كبيرة بسب الاعتداءات المتكررة التي تحدث للكوادر الطبية خصوصاً في شِعب الطوارىء، منوِّهاً: ان شعبة الطوارىء في مستشفى الجملة العصبية تستقبل يومياً مختلف الإصابات منها الطلق الناري في الرأس او التعرض الى حادث مروري او السقوط من أعلى الأبنية التي تسبب إصابة بليغة في الرأس.

الطلق الناري والضرب بآلة حادة

سجاد حسين ممرض في قسم الطوارىء يقول لـ(المدى): إن شعبة الطوارىء تستقبل اكثر من (500) حالة خاصة في الدوام المسائي، مضيفاً: انها تختلف مثل وجود مشكلة في الجهاز الهضمي او التعرض لأزمة قلبية او صدرية وهناك بعض الحالات البسيطة التي يمكن السيطرة عليها، موضحا: ان كل يوم تردنا العديد من حالات المشاجرة والتعرض للطلق الناري او المشاجرة بين شباب ليصل احياناً أعداد المصابين الى عشرة أشخاص.

وتساءل حسين: لماذا يتحمل الكادر الطبي نتائج المشاجرات حيث تصلنا بعض الحالات الحرجة جدا التي بسببها يُضرب الكادر او يُهان ويُشتم؟! مطالباً بضرورة توفير الحماية اللازمة للكوادر الطبية التي تعمل في شِعب الطوارىء.

لعبة موبايل وثلاثة شبان

جولتنا مستمرة وهناك مشاهدات عجيبة ليس لسوء الحالة الصحية، بل ثقافة العنف التي رسخت جميع افراد المجتمع ومنها الأطفال، هذا هو وصف الطبيب المقيم في شعبة الطوارىء الذي رفض الكشف عن اسمه موضحاً امس الاول: وردتنا اصابة لثلاثة شبان بسب اختلاف حول لعبة في جهاز الموبايل اذ قام الفريق الطبي العامل في شعبة الطوارىء معالجتهم بعد أخذ الفحوصات الخاصة بالأشعة وكان يرافق هؤلاء المصابين الثلاثة اكثر من (47) شخصاً ولكم أن تتصوَّروا الفوضى التي حصلت!

أكثـر من 16060

مرتضى المرافق لنا في الجولة وهو المكلف باستقبال الإعلاميين من قبل ادارة مستشفى الكندي يكشف ان شعبة الطوارىء استقبلت للشهر الماضي (16060) حالة، فهل هذا رقم معقول في عالم طب الطوارىء واستقبال الحالات اليومية؟ مبينا: ان ذلك يحدث بسبب الكوارث فقط.

محاولات الانتحار متكررة

الدكتورة رنا عبدالكريم تقول لـ(المدى): نحن في مشكلة حقيقية اذ تتزايد حالات الانتحار عند النساء فتردنا العديد من الحالات وبطريقة متشابهة من خلال تناول كميات من الأدوية او شرب النفط، مشيرة الى ان والدة وشقيقة المريضة تقبـِّل الأيدي بعدم الكشف عن هذا الأمر امام اشقائها المرافقين لها وقد حصلت لنا مشاكل بهذا الخصوص وليس لدينا أية سلطة برفض المعالجة او إحالتها الى الشرطة كون هذه الحالات يُعاقب عليها القانون وربما تشكل اشكالا عائلياً.

لا عقاب على مَن شرع في الانتحار

المحامي مكي عبدالواحد كاظم أوضح بحديثه لـ(المدى) أن احكام الانتحار والاشتراك فيه بموجب قانون العقوبات العراقي لسنة 1969هو قتل الشخص لنفسه عمداً يسمى انتحاراً ويقدم عليه المنتحر لدوافع شتى أغلبها يرجع لأسباب نفسية واجتماعية ويقع بأساليب وطرق مختلفة وحسب الوسيلة التي يراها هذا الشخص مناسبة لإزهاق روحه، مسترسلا: غالباً ما يتم بالشنق او اطلاق رصاص على منطقة قاتلة بالجسد (الرأس والقلب).

واضاف كاظم: ان عملية الانتحار قد يُخطط لها ويُنفذها المنتحر لوحده وقد يحرِّضه او يساعده فيها الحزن، وعند تتبع نصوص قانون العقوبات العراقي النافذ لم نجد نصاً يُحرّم الانتحار وعدم النص والسكوت امر بديهي لأن المنتحر تحقق مراده وأزهق روحه وفارق الحياة وانقضت الدعوى الجزائية بحقه بالوفاة لانعدام الكيان الذي تقع عليه العقوبة الجزائية وهو الانسان الحي، مشيراً إلى أن الفقرة (3) من المادة (408) عـقوبات نصت أنه (لا عقاب على مَن شرع في الانتحار) ويبدو ان الفلسفة التي بُني عليها هذا النص انه لا فائدة من عقاب مَن شرع بالانتحار لأنه يعـد الموت وسيلة خلاص في حين انه من منظور عقابي اقسى عقوبة تفرض على مرتكبي الجرائم، فاذا كان لا يخشاها من حيث المبدأ فلا فائدة من فرض أية عقوبة أدنى منها.

واستدرك المحامي: لكن المشرِّع وان لم يكن قد جرم الانتحار او الشروع فيه لم يمنعه من معاقبة المحرِّض والمساعد عليه لحمله نفسية إجرامية، وغالباً ما يكون ذوو التأثير النفسي الفائق يستغل الحالة اللامستقرة للمنتحر إذ يكون حينها في حالة ضعف تستحق الحماية القانونية، لذا فالفقرة (1) من المادة (408) عقوبات فرضت عقوبة السجن لمدة لا تزيد على سبع سنوات على مَن حرَّض على الانتحار او ساعد فيه ويقع الانتحار بناءً على ذلك، واعتبر القانون في الفقرة (92) من المادة نفسها التحريض والمساعدة ظرفاً مشدداً إذا كان المنتحر حدثاً لم يتم الثامنة عشرة من عمره او كان ناقصاً للإدراك والإرادة، اما إذا كان فاقداً لها فيعاقب الجاني بعقوبة القتل العمــد او الشروع فيه حسب الأحوال.

امكانياتنا محدودة

الدكتور الاختصاص نجم عبدالهادي ذكر لـ(المدى) أن جميع شِعب الطوارىء العاملة في البلاد تعمل وفق طاقة تفوق جميع الامكانيات بسبب الكثافة السكانية العالية، وأن اغلب المستشفيات على حالها ولم تتطور او تتوسع وهذا ما أثـَّر بشكل كبير على حجم ومحدودية الاستيعاب، مبيناً: انها تعمل وفق طاقات مضاعفة من خلال أعداد المراجعين التي تصل احياناً بالآلاف للمستشفى مثل الكندي واليرموك ودائرة مدينة الطب والشيخ زايد.مشيراً الى ان طبيعة الزخم الكبير في المستشفيات تسبب بوقوع الكثير من المشاكل بين المراجعين ذاتهم او بينهم وبين الكار الطبي.

39 ألف مراجع شهرياً

جولتنا الأخيرة كانت في مستشفى الإمام علي في مدينة الصدر وهي التي تتعرض كوادرها الطبية لأكثر الاعتداءات من قبل المرافقين للمرضى. الدكتور المقيم حسين عباس اكتفى بطرح سؤال: هل من المعقول ان تستقبل شعبة الطوارىء اكثر من (39) الف مراجع شهرياً فقط؟ مبينا: ان كوادر شِعب الطوارىء تؤدي عملا كبيرا في انقاذ المراجعين، وفي ذات الوقت تتحمل ضغطا كبيرا من خلال تجاوز البعض ممن يرافقون المرضى خاصة في الحالات الحرجة.

واضاف عباس هناك بعض الحالات التي تصل الى الطوارىء (لغرض النزهة) كما وصف ذلك، خاصة بعض النساء او العرائس، مشيرا الى بعض الحالات التي لا تستدعي حتى أخذ حبة بريستول لكن شعبة الطوارىء تدفع ثمـن دلال البعض منهن!