نحن واخوان الصفاء ...والبصرة الفيحاء ؟ ..والدعوة للأعتدال والأخاء والصفاء...؟

سنحاول في هذا الموضوع ان نتطرق الى تراث البصرة الفيحاء ، ومن خلاله نبدأ بجماعة الفلسفة والعلم ( اخوان الصفاء وخلان الوفاء) ، ودورهم في تاريخ الفكر العربي الاسلامي في القرن الرابع الهجري، وكيف عالجوا بعض فصول الحضارة الاسلامية في الشمولية الحضارية، والقوة النشطة للانسان الفرد وهو يمارس نشاط حياته اليومية ،وكيفية تكامل الوجود البشري عن طريق الفكر والتعقل ، لتحقيق الأهداف التي تربط بين افراد المجتمع وبناء الدولة في الحرية والوحدة والتقدم والأعتدال . لكن الجماعة جوبهت بالمقاومة من قبل اعداء العلم والتقدم ، مثلما جوبهت به حركة المعتزلة- ثورة العقل العظيمة – التي لو استثمرت واستمرت لأصبحنا اليوم دولة مدنية قانونية تعترف بحقوق الوطن والمواطن ويحسب لها حساب الدول المتقدمة ،لا دولة تتلاعب فيها اصبع الجهلة والذين اتخذوا من الدين وسيلة لتدمير الشعوب العربية بعد ان زيفوا الدين والقرآن لصالح السلطة لا لصالح الناس كما جاء في القرآن العظيم ،وها هي ايران اليوم المزيفة لدين الاسلام تقف حجر عثرة امام تقدم وحقوق العراقيين بحجة الدين وخرافات المذهب واقاويل مرجعيات الدين وتحاول تحويل الوطن العربي الى صراعات وأقاويل تنفيذا لرسالة نبيهم أردشير بن بابك كما جاء في وصيته للأيرانيين..

أختلفت أراء العلماء والمؤرخين في تسمية الاخوان ومذاهبهم ذلك انهم عملوا جهدهم على تغطية حقيقة امرهم واسمائهم خوفاً من سياسة البطش بهم من سلطة الدولة. واختلف المؤرخون في الرسائل وواضعيها ، فالقفطي ينسبها الى المعتزلة ، واخر ينسبها الى الحَكَم القرطبي الاندلسي ، ومؤرخ ثالث يدعي انها تعود الى جماعة من فِرق الاسماعيلية ، واراءُ اخرى كثيرة تنسبها لأخرين. وعندي انها فِرقة من العلماء الفلاسفة العرب والمسلمين المنفتحين والذين تعربوا بعد ظهور الاسلام ، واجتمعوا على تحقيق ما يرغبون بتحقيقه في مضمار الحضارة الاسلامية دون غرض ذاتي مقصود. بل همهم الوطن والمواطن والعيش الرغيد. وان غالبية افكارهم ومعتقداتهم استمدوها من نهج البلاغة وفلاسفة اليونان والرومان. هذه الافكار الحضارية التي ماتت دون ان ترى النور.

لكن المتتبع لتاريخهم يرى ان الجماعة نشأت كجمعية سياسية دينية ثقافية لم تفرق بين الاديان ، نافية وجود المذاهب والملل معتقدة انها من الأباطيل ، بعد استيلاء البويهيين على بغداد في سنة ( 334للهجرة) الذين خلقوا لنا كل هذه الهلمة من المذهبية المتطرفة التي لا تستند على قيم واخلاق الدين. ويقول البعض أنها جاءت كرد فعل على الطائفية والعنصرية البويهية التي مزقت النسيج الاجتماعي في وطن العراقيين كما تمزقه اليوم،وعندي هذا صحيح . بل أنهم أخترعوها أختراعا لمصلحة الوطن ضد رجال الدين المتزمتين الذين ما كان هَمَهُم الا انفسهم وما يرغبون،وما المذهبية والطائفية وعداوات المذاهب التي نلمسها اليوم الا من نتاج افعال البويهيين المشينة في التطبيق..
وكان لهم فرع في بغداد معادٍ لكل تخريب ، وتتكون من اربع طبقات هي:

الاولى : تكونت من شبان تتراوح أعمارهم بين خمسة عشر الى ثلاثين سنة ينقادون لاساتذتهم الكبار أنقيادا تاماً.
الثانية: تتكون من رجال تتراوح اعمارهم بين ثلاثين الى اربعين سنة يتلقون الحكمة الدنيوية من حكامهم.
الثالثة: تتكون من رجال تتراوح أعمارهم من اربعين سنة الى خمسين سنة ،وهم كما يسمونهم طبقة الحكماء.
الرابعة: تتكون ممن تجاوزوا الخمسين عاماً وهم الذين أرتقوا الى الطبقة العليا ،وصاروا يشهدون حقائق الاشياء كما هي كالملائكة المقربين. نرجو من شبابنا اعادة تجربة المنصفين المخلصين لبلادهم التي مزقتها انانية الثأر القديم .
وقيل منهم اخذت مرجعيات الدين الشيعية في ايران التي أفرزت طبقات المتعلمين الدينيين مثل طبقة اصحاب السطوح وما فوقها التي منحتهم حق الاجتهاد في الفتوى والدين. لكنني لم ألمس هذا في توجهات المرجعية الدينية في النجف الاشرف حينما كنت ابحث في رسالة الدكتوراه هناك لشهور عديدة واستفسرت منهم الكثيرلأن مرجعيات العراقيين كانت من العرب المجتهدين وليس من الايرانيين المعادين لكل تطلع عربي اسلامي صحيح..فقد كانوا يصرون على ان الدراسات المرجعية مستقلة عن كل مصادر الأخرين. ان المتتبع لتاريخهم لا يجد علاقة بينهم وبين افكار مرجعيات الدين الحالية التي زيفت الدين لصالح السلطة لا الدين .

لكن الملاحظ ان الجمعية قد خلت من العنصر النسائي تماماً ، ولم نلمس التفسيرُالصحيح لذلك ممن عاصرها او من المقربين اليها. اغلب الظن ان سبب هذا يعود الى ما تعارف عليه المجتمع من العادات والتقاليد التي تستبعد مشاركة المرأة في أعمال الرجال وهي عادات عرفية خلقها رجال الدين المتزمتين في اعراف الاسلام والمسلمين، لينفردوا بجنس المرأة للمداعبة والاستمتاع بالجنس خلافا لما أقره الشرع والدين ، فان ذكورية المجتمع فرضت عليهم التقليد . واذا صح هذا فهو مَثلمة بحقهم وحق العراق والعراقيين منذ بداية التقنيين ، فللمرأة مكانة في تاريخ العراق منذ عهد السومرين ،ومنذ ان وضع حمورابي قوانينه في حماية الانسان كل الانسان(انظر قوانين حمورابي في المتحف العراقي لعلها سرقت اليوم من قبل اعداء المرأة من المعادين) ) ، وان حاربتها اليوم جماعات التخلف من التراثيين الملتحين، اعداء التقدم والدين فحولوها الى براميل نفط سوداء متحركة منظرها لا يسر الناظرين .هذا البلد الذي شاركت المرأة الرجل فيه العلم والدراسة والقضاء منذ نشأة الدولة السومرية القديمة مرورا بالاكدية والبابلية والاشورية وكيف كانت معلمة وقاضية في معابد العراقيين ،وقد صممت لها الأزياء الملائمة لمقبولية التدريس ، وبقيت حتى نشأت مدينة الكوفة سنة 17 للهجرة تتمتع بكل حقوق المرأة التي جاءت في القوانين ( أنظر دائرة المعارف الاسلامية تحت كلمة كوفة)..

ورغم تعدد طبقات هذه الجماعة وأهدافها الكبيرة ، ألا ان التاريخ لم يدون لنا أكثر من خمسة أسماء منها كما ذكرهم ابو حيان التوحيدي وهم: ابو سليمان محمد البيستي المعروف بالمقدسي تلميذ الكندي الفيلسوف العربي المشهور وهو على الارجح منشىء رسائلهم ، وابو الحسن علي ابن هارون الزنجاني ،ثم ابو احمد المهرجاني المسمى بالنهرجوري،وابو الحسن العوفي، وفريد بن رفاعة. ويؤخذ من كلام لابي حيان التوحيدي بأن هذا الاخير كان متهماً بمذهبه لأنفتاحيته بقول الحقيقة التي لا تعجب المتسلطين على الدولة. ولا شك بأن أنضوى تحت اسم هذه
2
الجمعية رجال من طبقات المجتمع المتباينة كما يفهم من رسائلهم ،وان سكت التاريخ عن ذكر ذلك . لقد قال بعضهم: ( لنا اخواننا من اولاد الملوك والامراء والوزراء والعمال والكتاب) ،ومنهم طائفة من أولاد الاشراف والدهاقين (المختارين ) والتجار والصناع والمتصرفين وامناء الناس،وقد ندبنا لكل طائفة منها واحداً من أخواننا لينوب عنا في خدمتهم وتعليمهم مبادىء الجماعة في الأخلاق والحقوق والدين .
لقد شكلت الجمعية خطرا على سلطة البويهيين التي جاءت من اجل التدمير لا الدين ولا زال الابناء ينخرون في الجسد العراقي الى اليوم محاولين قتل المخلصين،كما في رجال التحالف العراقي الشيعي اليوم الذي دمر البلاد والعباد ولا زال مصرا على تدمير القانون والوطن والدين؟

لكن بعض المؤرخين يعتقدون ان الرسائل من صنع الفرقة الاسماعيلية الباطنية بزعامة احمد بن عبدالله الاسماعيلي - الاسماعيلية ليست باطنية بل فرقة سياسية من الغلاة - الذي يعود نسبه الى الامام موسى بن جعفر الصادق (ع). ويبدو من خلال الدراسة المقارنة بدأ الاعتقاد
يميل الى انها من صنع الافكار الاسماعيلية من غير الغلاة،وأنها من وضع الدعاة الاسماعيليين المعتدلين . لكن الملاحظ ان هذه الجماعة المثقفة آبت ان تنتقل الى مكان اخر غير العراق، فكانت بين البصرة وبغداد وتمارس اعمالها وعلومها في العلن وترغب في تصفية شوائب الدين اتي زرعوها البويهيون، في وقت كانت الاسماعيلية محرم التعامل معها...؟ .وعندما سألت عن اقتصار نشاطها في العراق فقط ، قالت: العراق فيه معادن الذكاء والنشاط والعلم الكثير...وهو يصلح لبث أفكارنا أكثر من اي مكانٍ أخر،,ليس من حق البويهيين تدمير وطن العراقيين.

أما اصل التسمية أشتق من صفوة الاخوة المبنية على التعاون لبناء مدينة فاضلة روحانية وتسميات اخرى تزخر بها كتب التاريخ ،وهذا هو تاريخ العراقيين الصادقين . فهل لنا من توجه جديد لكسر انانية السياسيين الغارقين في الخطأ ضد الوطن والوطنيين منذ التغيير الاخير في 2003 والى اليوم ، الذين حسبوا الوطن مالاً ولهواً لهم وللأخرين ؟ ونسوا التاريخ ...؟ لكن لا عتب عليهم فأن غالبيتهم غرباء عن وطن العراقيين.

وبغض النظر عن اهدافهم السياسية والدينية ،نجد ما يؤثر عن أفراد هذه الجمعية أنهم ألفوا أحدى وخمسين رسالة.خمسون منها في مختلف الموضوعات العلمية والفلسفية،ومقالة واحدة جامعة لانواع الرسائل على طريقة الاختصار والايجاز،وهي اشبه بدائرة معارف علمية حديثة ،أوأشبه ما سموه الاوربيون الموسوعيون بالقاموس العقلي للعلوم في القرن التاسع عشر ، الذي هاجموا به القديم دون توقير ،وطالبوا بنشر الفكر الحر والحرية والتقدم لكل المواطنين فهل كانوا هم من السابقين ،لكن مع الاسف لم نجد من استغل رسائلهم العلمية الراقية وحولها الى تطبيق...وأدخلوها في مناهج التدريس ؟. فبقيت تراث ينتظر التحقيق...؟

ومنها ثلاث عشرة رسالة في :
الرياضيات،وسبع عشرة رسالة في الطبيعيات، وعشرة رسائل في العلوم النفسية والعقلية، وعشرة رسائل في العلوم الناموسية الالهية والشرعية ، وواحدة جامعة لكل الرسائل . لكن البويهيين الحاقدين على امة العرب اماتوها بالمطلق كي لا تنبثق في وطننا العراق نهضة العلميين...وهكذا اليوم يفعلون بعد ان مزقزا مناهج الدراسة وحولوا الدين الى اديان والصلاة الى صلوات وامور اخرى قصدها الفرقة والتخريب كي لا ينهض للعراقيين من وطن للمتقدمين.
.
تدل هذه الرسائل على ان اخوان الصفاء أصابوا من الرقي الفكري حظاً كبيرًا واقتبسوا اراءهم وعلومهم من جميع المذاهب والاديان وذلك انهم قالوا:"ان الشريعة دنُست بالجهالات وأختلطت بالضلالات ولا سبيل الى غسلها وتطهيرها الا بالفلسفة العملية والنظرية
وافردوا لها فهرساً وسموها رسائل اخوان الصفا وكتبوا فيه اسماءهم وبثوها في الوراقين ووهبوها للناس" ولهم نظريتهم المعمقة في العلم والنشاط العقلي، فقالوا :

ان النفوس لا تستطيع الارتقاء في مدارج معرفة الله معرفة بريئة من الشوائب الا بالزهد والاعمال الصالحة والوفاء للمبادىء ، والاوطان لا تصان الا بالأمانة والوفاء لها" ، وحين عالجوا الرياضيات قالوا:ان الغاية المقصودة في الحساب والهندسة ارشاد النفوس والتوصل بها من المحسوسات الى المعلولات،وبحثوا في المنطق وفي الله والعالم والنفس الانسانية ،وحاولوا ان يوفقوا بين العلم والحياة وبين الفلسفة والدين. لكننا اليوم لم نشاهد فرقة من الفرق المذهبية تملك هذا التوجه الثقافي الرصين سوى الفُرقة وتجسيد الدين وكأنه صنم يعبد على طريقة التراثيين في عهد ابراهيم الخليل. لأن مبادؤهم كانت انسانية لا طمع فيها ولا تدليس .

ولا شك ان رسائلهم تمثل الحياة العقلية في ذلك العصر،كما تمثل الحياة السياسية ،فهي مرآة تنعكس فيها الحياة العقلية أنعكاساً مباشراَ. وهي أشبه بدائرة معارف فلسفية علمية جمعت كل ما يمكن تحصيله من الرجل المثقف ، وتعتبر مدخلا الى رسالة جامعة ،هي خلاصة العلم وغاية الغايات ،وتعزيز الثقة بين الشعب وحاكمه ، ومحاربة انعدام المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات ،والازدراء من الفساد والمفسدين،وقالوا ان النجاح عند الفرد والحكومة يعتمد على أخلاقيات العمل ، وليس على الصدفة في التنظيم. وهي اهداف هدفت اليها الجماعة. فهل ان بعض مثقفينا اليوم ممن اصبحوا نوابا للشعب ووزراءً للدولة ومسئولين فكروا يوما بالمواطن بعد ان شبعوا لحد التخمة مالا حراما ليستقروا عند الاخرين ، بعد ان ملئوا الدنيا صراخا عن الوطن والوطنيين ،لا بل باعوا حتى الوطن للحاقدين المتخلفين من اصحاب ولاية الفقيه،وأبتعدوا عن المشاركة في أنجاز القوانين ،فهذا مقيم في عمان وأخر في دبي وثالت عند الغربيين . وهذا خطأ أخلاقي مرتكب منهم بحق الوطن والمواطنين.؟

ولرسائل اخوان الصفا قيمة اخرى،هي قيمتها الفنية الخالصة ،فقد عني كتابها بألفاظها واساليبها عناية أدبية خاصة ، ففيها خيال كثير وتشبيه متقن ، وألفاظ متميزة ، ومعانٍ ميسرة ، والسبب يعود الى أنها اتجهت الى جمهرة الناس للتعليم والتثقيف والمعرفة العامة ، لا الى الحكام والمسيطرين على الدولة ومناطق النفوذ فيها لانهم عرضوا عن المال والجاه وتمسكوا بقول الامام علي (ع) حين قال :المال والسلطة
3
السائبة تفسد اخلاق الرجال كما هو اليوم في وطننا العراقي المخطوف من قبل الناكثين بالعهد والقسم واليمين..فهم بعيدون عن اي تطلع سياسي او مصلحة ذاتية،وهذا هو منتهى الوفاء للعقيدة والتوجهات الادبية والعلمية التي يعتقدون بها والتي عملوا من اجل تحقيقها سنين.

ان احدى الميزات البارزة في هذه الرسائل هي عنصر الشمولية الذي يتميز به مفهوم الحضارة وهو العنصر الاول.وتنطلق هذه الشمولية من الضروريات والحاجيات التي يزاولها الانسان في نشاطه الاجتماعي ،وهي تشمل نتاج جميع القيم الفكرية والمادية للانسانية.ففي مجال الحضارة الفكرية او الروحية ،نجد مثلا الافكار الفلسفية والقيم الاخلاقية والجمالية والصور الفنية والألتزامية المجتمعية ، فهم يحثون عنالاعتدال والأبتعاد عن التطرف ، بين رغبة النفس الانسانية ومعرفة حقائق الاشياء،وبدونها يخرج الانسان من الدنيا دون معرفة بها وفائدة للاخرين ،لذا فمسئولية الفرد فردية لنفسه وجماعية لمجتمعه.

والعنصر الثاني في رسائلهم هي القوة النشطة المبدعة عند الانسان ،وهذا العنصر هو الذي يفرق بين النشاط العادي الذي يقتصر على مجرد اعادة المعارف والعمليات اليومية لتهذب وتنمي قدراته العقلية والمعرفية والكفاءة المهنية لتصب في مصلحة الناس الاخرين ومصلحتهم لتكمل الاجزاء الكلية للحضارة الانسانية.

والعنصر الثالث هو دور الفكر والتعقل في انجاز تكامل الوجود البشري،حين آولوا النشاط الجسماني والروحي للانسان ،ليثبتوا ان الهدف هو احراز فائدة اكبر والاستفادة من الصناعات المبتكرة وتطويرها لصالح الانسان والنفس البشرية. هذه العناصر الثلاثة التي بحثت فيها
الرسائل فأثبتت أهميتها في الدراسات الحضارية الحديثة ،لابراز نظرية الكيان البشري واهمية الانسان في الوجود في السابق وفي الوقت الحاضر..وهي ميزة تفيد الحاكمين في كل العصور وكيفية التعامل مع المواطنين ،لكن أين لنا من المخلصين ...؟.

ومن يطلع على الافكار الشمولية لهذه الجمعية يدرك انها جمعية علمية عقلية فلسفية قامت على جانب كبير من الرقي العقلي والعلمي ،والوفاء لله والوطن، وكانت تطلعاتهم العلمية هي بداية العلاقة بين البنية اللغوية والتفكير الانساني الذي لو استمر لأنتقلت الامة الى امة حضارية مساهمة في النشاط الانساني المتغير.ولو ان الظروف السياسية مكنت لها من النهوض والظهور لكان بامكانها تغيير الحالة العلمية التي كانت عليها الناس في القرن الرابع الهجري،ولتشابهت مع افكار الموسوعيين الأوربيين في القرن التاسع عشر الذين آمنوا بالفكر والحرية والتقدم،وحولوا المجتمعات الأوربية الى مجتمعات حضارية، ولكان دورها لا يقل عن دور المعتزلة في الحركة العقلية ،والتي أماتها التخلف العباسي على عهد الخليفة العباسي المتوكل (ت232للهجرة) ،ولو نجحت في تحقيق اهدافها لأصبح العرب والمسلمين في مقدمة الركب الحضاري المنشود.
وليعلم الناس والعالم كله:

ان الاسلام لم يكن قاصرا أبدا عن تحقيق التقدم وحياة الانسان ،لكن القصور في انسانه والفقهاء وليس به ،وهذا ما نادى به محمد(ص) حين قال: لا تنقلوا عني غير القرآن حتى لا يختلط كلامي بكلام القرآن ،(انظر الواقدي في المغازي ). وثبت ان القول كان صحيحا بعد ان استغلت جماعات التطرف الاحاديث النبوية ليحولوها الى تفريق كما في كتب الصحاح وبحار الانوار المتخلف في التوجيه والتعريف .

وقد حاولوا بحث مشكلة المعرفة الانسانية وهي من المشاكل القرآنية التي لم تدرس في نظرية جدل الأنسان ،ودخلوا في فلسفة معرفة الروح وقالوا انها ليست سر الحياة ، وانما هي سر الأنسنة وهذا هو الصحيح،اي هي التي حولت البشر الى أنسان يقول الحق :" كل نفسٍ ذائقة الموت "،ولم يقل كل روحٍ ذائقة الموت ، والفرق بين الأثنين كبير.، كم أنتجت يا عراق من عقول وحضارات وانت لازلت في قائمة النسيان يتحكم فيك الطغيان والقطعان بعد ان حولوك الى هجرة ومهاجرين ليميتوا فيك كل امل رصين؟ وكم انتِ يا بصرة الفيحاء انتجتي من علماء وفلاسفة وكتاب اجلاء،واليوم أنتِ في قائمة النسيان يتحكمون فيكِ الرعيان من سارقي المال الحرام وقاتلي الانسان ، فهل نأمل ان نستعيد ما فقدناه من نبلاء الوجدان ؟

وقالت الجماعة ان الحاكم الذي لا يحقق الامان والأطمئنان والكفاية والعدل لمواطنيه فهو لا يستحق حكم الناس،وهذا النص مأخوذا من كلام الامام علي(ع) في خطبه في البصرة بعد خلافه مع الخوارج ،وان حًكمَهُم فهو غاصب فاجر لا يستحق الطاعة بل العصيان. فالعصيان على من طغى وبغى واجب شرعي لازاحته من حكم المواطن والأوطان،كما في عصيان الشعب العراقي اليوم ضد جلاديةه ومغتصبي حقوقه من الفاسدين .

ان أهم ما في رسائل اخوان الصفاء هي الرسالة الاخيرة التي التزموا بها بالوفاء فيما بينهم وبين الشعب وماتوا عليها دون الاخلال بشروطها ،هكذا هم الرجال والا فلا؟. فهل تعهد حكام الوطن العربي بالوفاء للأوطان ؟وهذه المدرسة الرائعة هي التي استقت علومها من التراث الاسلامي الاصيل ومن أفكار أهل البيت والصحابة النجباء على الاوطان والدين، وميثاق المدينة المكين ورسائل الصالحين ،فاين من وزيرٍ التعليم العالي البغيض اليوم ليضعها في مناهج الدارسين ؟ ويعود كل هذا التقدم الى ان الجماعة لم تضع في حساباتها المال والجاه والسلطة مثل اليابانيين والصينيين الذين بنوا دولهم القوية المزدهرة اليوم باخلاص القياديين وهم بلا دين .

وهكذا عاشت الجماعة متجردة من المصالح الذاتية، مفضلة مصلحة العلم والانسان والوطن بعد ان جاهدت على تغيير المفاهيم المتوارثة في ميادين المعرفة ، وان المشرفين على تحرير هذه الرسائل المهمة كانوا من المتفائلين في صنع رؤية جديدة لمستقبل الانسان قائمة على العقل والعلم والحرية. فهل يعقل ان اتباع أهل البيت اليوم كما يدعون يعتقدون بمبادئهم حقا وصدقا...؟ان ما يحث اليوم منهم تجاه المبادىء والناس وحقوقهم يكاد يكون مستحيلاً،بعد ان اصبحت غطرسة مؤسسة الدين تعتقد انها هي الوحيدة على حق،وهي تمارس التخريب والتمويه

4
وتأييد المخربين،بعد ان غرقوا في دماء غيرهم عندما تخلوا عن الدفاع عنهم ، ولو كانت حقا مؤمنة بالمبادىء لساندت المواطنين ونزلت الى الشارع تقاتل الفاسدين والمفسدين ،لكن فاقد الشيء لا يعطيه ابدا .
اني ارى الرسول (ص) غاضباً اليوم علينا وهو يتمزق ألماً لأختراق دستوره وقرآنه بعد ان مزقوا الامة بالطائفية والمذهبية وهي لا وجود لها في دستوره ولم يبشر بها في قرآنه ،فكيف هؤلاء وكلا ؤه في الارض ؟.

لم نسمع من هذه الجمعيات العلمية ان احدا طالب بمحاصصة او تفريق،او طائفية او عنصرية أو مال او سلطة أوجاه ،ولم نسمع من احدٍ منهم ان تفوه باسم المذهب او القبيلة او العشيرة او القومية او الدين.كان هدفهم انسانيا بحتا ولا غيروهذه هي اهداف الاسلام الصحيح .. لكن يجب ان نفهم ان التغيير في العراق جاء اجنبيا وليس عراقيا ،والاجنبي يهدف دوما لتحقيق مصالحه لا مصالح الوطن والمواطنيين .

نعم كل الاقلام يجب ان تتجه الى ردم هذه التوجهات الخاطئة وعلى من يحكم مساواة الناس بالقانون الواحد وليس بالقانون المزدوج في معاملة المواطنين والأستئثار بالمنصب والوظيفة لهم ولأبنائهم دون الاخرين ؟ او التخلي عن حكم الناس ما دامت هي ليست بقادرة عليه
،وجعل مناهج الدين موحدة لا مفرقة في مداررس الطلبة لردم الهوة بين المتخاصمين،وانشاء توجه ثقافي جديد ورسمي يبتعد عن هذا التوجه القديم،وتوحيد الآذان والصلاة او على الاقل ان تكون الجوامع بلا ميكرفونات تزيد في تفرقة المواطنين .

أيها البصريون لا تهربوا أمام الخونة والظالمين ،بل اثيتوا وطالبوا بالتغيير لكل العراقيين ،فلا تغلفوا مطالبكم بالأنفصال والأقليم، فأن البيت المنقسم على نفسه مهدد بالزوال..واليوم المؤامرة الكبرى تطبق على العراقيين بتهجير شبابهم لأفراغ الوطن من الطاقات ولشيوع العنوسة وتفسخ المجتمع،وهذا هو أحد أهداف التغيير ...فهل تدركون ...؟ . هذه هي خطط ايران في التدمير.
قولوها للوحدة لا للانفصال،وللعدالة والقانون والشرعية ،لا للفوضى والطائفية والخروج على مفاهيم الوطن والدين.ان ما حدث من الحاكمين الخونة اليوم يستحيل تصديقه بعد ان اهملوا وصدوا عن كل قرآن مبين ..الشك هو جوهر المسألة وانا اشك هم ومرجعياتهم من المسلمين،فلو كانوا حقا من المسلمين للبسوا الكفن ونزلوا الى الشارع العام ليمزقوا الباطلين والمنحرفين. لا ان يكتفوا بالنصح والارشاد الذي يذهب مع الريح والتهريج.. ؟

هذه هي الشريعة والقانون...
وألو أستقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماًءً غداقا ...... الجن16؟.