اضحية العيد |
هذه القصة حدثت في زمن النظام السابق لضابط مخابرات، حيث اوقف سيارته قرب جوبة بيع وذبح الاغنام، ليضحي باضحية عيد الاضحى لوالده، فتش عن خروف لم يقلع سناً، وعمره سنة، ولم يكسر له قرن ، ولايشكو مرضا، فاتفق ان وجد واحدا بمواصفات الاضحية التامة، وبدأ الذبح والرجل واقف، وحين وصل القصاب الى (كلب الخروف ومعلاكه)، ناولهما الى شاب واقف قربه، وصاح باعلا صوته،( اللهم صلّ على محمد وآل محمد، الطلي ماعدّه لاكلب ولامعلاك)، صمت الرجل ولم يتكلم، وبعد ان انتهى القصاب، وصعدت الاضحية في الصندوق الخلفي للسيارة، فتح الضابط الابواب وامر القصاب ومن معه بالصعود الى السيارة، وهو يقول: ( اصعدوا، انا ضابط مخابرات، سوف اعلمكم كيف ان الطلي لايملك قلبا ولامعلاك). وهذه الحكاية تشبه الى حد كبير حكاية الاسد والثعلب، فقد اتفق ان اسداً جاع، فامر الثعلب ان يغري الخنزير بالمجيء عنده، ذهب الثعلب للخنزير واخبره ان حفلة ستقام على شرف الاسد وعليه الحضور، حضر المسكين ، لكن جوع الاسد جعله يتعجل بمهاجمته، ففر الخنزير بعد ان قطعت اذنه، رجع الاسد الى الثعلب، وقال له: عليك اقناعه بالرجوع مرة ثانية، ذهب الثعلب واخبر الخنزير ان الاسد اراد ان يقبله فقطعت اذنه، واقنعه، وصار فريسة بعد دقائق، شبع الاسد وادخر القلب (والمعلاك)، لوجبة اخرى، وامنها لدى الثعلب، فاكلها الثعلب واحتج على الاسد ان الخنزير لوكان يملك قلبا و(معلاك) لما عاد مرة ثانية بعد ان قطعت اذنه، فضحك الاسد وعلم ان الثعلب خدعه. ( اللهم صلّ على محمد وآل محمد، الشعب العراقي لاكلب ولامعلاك)، كيف لا والنواب والوزراء والرؤساء والمدراء العامون ووكلاء الوزارات يتسلمون مرتباتهم كاملة مع المكافآت والعيديات، والتظاهرات صارت كما نكتب دائما( هواء في شبك)، المساكين الذين فقدوا حياتهم ووظائفهم صاروا اضحية للعيد، وما اكثر الاضاحي في العراق، والتظاهرات ستذوي كما تذوي الشموع في آخر الليل، شهر محرم قريب جداً، وسيتفرغ غالبية الشباب للطم والبكاء والزيارات، وسيبقى نصب جواد سليم فقيرا، نعم ان الحسين ثورة، وثورة مستمرة وكبيرة، لكن البعض وضع هذه الثورة في جيبه وصار يتاجر بها. من المحتمل جدا ان ارى ثلاثي نصب الحرية بمفردهم( جاسم الحلفي وحميد قاسم واحمد عبد الحسين)، وربما اراهم محاطين ببعض الشباب المتحمس، وربما يأخذني الحماس فاحمل اوجاعي واسير باتجاه التحرير، اقدم ولائي للحراك المدني الذي ترك وحيداً في الساحة، بعد ان دخلت الحكومة على المراوغة وتمييع مطالبات الجماهير، ووجدت ان الزمن كفيل باجهاض كل شيء، وبعد ان تحرك مجلس النواب في سحب تفويض العبادي، ظنا منه ان التظاهرات انتهت، وبعد ان تأجلت تظاهرة الجمعة بحجة العيد، وهذه مناسبة اولى وستتبعها تأجيلات كثيرة، الى ان يذوب كل شيء ويتلاشى، ويستمر العراق بمسلسل القروض الكارثية من اجل مرتبات الرئيس ونوابه ورئيس الوزراء وكذلك النواب والدرجات الخاصة. نحن بلا قلب ، لاننا جربنا المجرب مرات عديدة، فحصدنا الندم والفاقة، وسنحصد اكثر لاننا اسلمنا قيادنا وبسرعة لاناس متخلفين لايعرفون عن السياسة اي شيء، وتمسكنا بحركة التاريخ المزيفة، اسلم المثقف سني قراءته وعذاباته للسياسي الذي راح يوجهه باي اتجاه يريد، ولايعلم او يعلم ويصمت ان الثقافة هي اساس وجود السياسي، وعلى المثقف ان يضع السياسي بجيبه، او عليه ان يكون مثقفا وسياسياً، ليعيد بناء العالم وفق رؤية ثقافية مختلفة، السياسي يبحث عن النتائج التي يحصدها لنفسه، والمثقف يبحث عن زاد المعرفة والخبز الحقيقي ليعطيه للشعب، وهذا فرق شاسع، وكلنا يعلم ان الخروف يمتلك قلباً، لكن نهم السياسي جعله فاقداً له.
|