المهاجرون واللاجئون والسؤال المهم ! |
لاغرو إذا ما إدعينا بإن حالة الهجرة التي نشهدها حاليا تعطي شهادة ادانة بحق حكومات بلداننا لأنها ظلت عاجزة عن تحقيق ما حققته حكومات البلدان المتقدمة لشعوبها. موجة الهجرة الحالية ليست اعتيادية، بل هي هجرة اضطرارية، فالمهاجرون يتركون مدنهم وقراهم (خصوصا في العراق وسوريا) بعد أن تضيق بهم سبل العيش تماما، من أجل أن ينقذوا أنفسهم والأقربين من ذويهم، حيث تكون الهجرة خيارهم الوحيد. وهم بذلك يقدمون نموذجا خاصا من الهجرة التي لابد من استنطاق مسبباتها وتداعياتها والحالات العرضية التي تتولد أثناءها. يمكننا القول بإن بلداننا عموما تعيش أزمة ثقافية واشكالية حضارية تزعزع كياناتها بين الفينة والأخرى. وبسبب هذه الأزمة وكم الاشكاليات التي تعاني منها، فان الازدهار والنمو يتعذر تحقيقهما فيها ، ومساعيها لتحقيق العصرنة والحداثة تواجه تحديات كبيرة، وبذلك يدخل البلد في حالات من الصراعات الثقافية والسياسية والمجتمعية التي بسببها يتعرض الانسان للاغتراب وتنعدم لديه خاصية الانتماء للجغرافية (الأرض: الوطن) وللمجتمع (الشعب: الأمة)، وهذا يدفعه للبحث عن وطن بديل. قد يتبادر الى الذهن ان المجتمعات الاوربية أيضا تحصل بينها حالات من الهجرة، خصوصا الى بلدان أمريكا واستراليا. وللتوضيح نقول إن حالة الهجرة بين الاوربيين تختلف عما هو شائع بين مجتمعاتنا. فالهجرة الاوربية محدودة النسبة، وهجرة الفرد لن تكون بقرار صميمي ينم عن التنازل عن الانتماء، بل هي هجرة لا تخلو من روح المغامرة والاستكشاف والبحث، علاوة على شيء واسع من حب التجريب والتقصي عن الأفضل بين أكثر من خيار. وانسياقا مع متطلبات الانتقال الى دول اللجوء و(الجنان الموعودة) التي ينتظرها المهاجرون/اللاجئون، حري بنا التحدث، ولو بمزيد من الاقتضاب، عن الواقع الثقافي والوضع القانوني والخلفيات التراثية التي تجعل من بلدان (أوربا الغربية وامريكا وكندا واستراليا بالتحديد) قبلة للمهاجرين. إن واقع هذه البلدان يوفر غطاء قانونيا للاجئين ويتم التعامل معهم بمستوى راق من الانسانية بالشكل الذي يطرح نموذجا مثاليا (أو جيدا حد الحلم بالنسبة للاجئ) من التقدم الحضاري لبلدان اللجوء. ولا يمكن ادانة برامج هذه الدول من حيث احتواء طاقات المهاجرين وتوظيفها بالشكل الذي يتناسب مع احتياجات هذه البلدان. بل ان في ذلك الكثير من الذكاء والنباه. ثم ان الثروة البشرية للمهاجرين من العسف تركها دون عناية واهتمام، بل من الحكمة التعامل معها بشكل علمي ووفق برامج وخطط دقيقة. ومن الأمور الايجابية جدا، هو ان بلدان اللجوء في اوربا والامريكيتين واستراليا لا تتردد في منح اللاجئين جنسيات بلدانهم، وبذلك فهي ترفع من سوية المهاجر/اللاجئ وتجعله مواطنا بكامل الحقوق والواجبات. هذه البلدان عاشت حالة من بلورة الذات وصياغة النموذج الحضاري المعاصر طوال قرون عديدة، بدءاً من عصر التصنيع والنهضة وهي مستمرة في تطوير واقعها الحضاري على مختلف الاصعدة. فهناك تطور في المجالات الاقتصادية والثقافية والتقنية والأنظمة والأساليب والتشريعات والقوانين، بل حتى عوالم الازياء والمأكل والمشرب يخضع لحالة من ديناميكية النمو والتطور، وغاية كل المساعي في القطاعين العام والخاص، هي تحقيق العدل والرفاهية والأفضل للمجتمع، وجعل سعادة الانسان الغاية الاسمى. وبذلك فان التشريعات الخاصة باللجوء وحقوق اللاجئين، ما هي الا جزء من حالة عامة يمكن أن نقول بحقها، إنها حالة من احترام انسانية الانسان والتعامل من موقع الاحساس بالمسؤولية التضامنية بين المجتمع وجميع أفراده، وبين الفرد والدولة كنظام مبني على اساس ميزان الحقوق والواجبات. هكذا بيئة متقدمة تؤشر لحالة من الرقي الحضاري التي تعيشها المجتمعات المتمدنة. وهي تعبير عن تراث وثقافة رسخت جذورها بعد مخاضات طويلة دفع الكثير من المصلحين والقادة والعلماء والمبتكرين والمشرعين سنين من حياتهم من اجل ترسيخها اجتماعيا وشرعنتها دستوريا.
|