ذوو العيون الصلفة

ربما أكون دقيقا لو حكمت بأن أهم، وقد تكون أول، انتفاضة فكرية فاعلة لمثقف عربي في العصر الحديث، كان قد اشعلها العالم الأزهري المصري علي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم". كانت صيحة شجاعة من داخل مؤسسة اسلامية لفصل الدين عن الدولة. الأزهر، إرضاء للملك الحاكم، نزع شهادة العالمية عن عبد الرازق وطرده من أية وظيفة.
ما كان للكتاب ان يخلق تلك الضجة لولا الوقفة المشرفة لمثقفي مصر وبعض من سياسييها. الازهر أحال قراره لوزير العدل، الذي كان يسمى في آنها وزير "الحقانية" ليصادق عليه. رفض الوزير النزيه عبد العزيز فهمي ان يصادق وتضامن مع عبد الرازق. تحدى الازهر والملك معا. كتب لهما "أحضرت هذا الكتاب وقرأته مرة أخرى فلم أجد فيه أدنى فكرة يؤاخذ عليها مؤلفه .. وقد ثقل علي وعلى ذمتي أن أنفذ هذا الحكم الذي هو ذاته باطل لصدوره من هيئة غير مختصة بالقضاء".
وتضامن الوزراء الشرفاء مع فهمي فقدم ثلاثة منهم استقالتهم: إسماعيل صدقى، وتوفيق دوس، ومحمد علوبة. النتيجة ان انتصر عبد الرازق وانكسر الملك وحاشيته.
هكذا هو الانسان الحر عقلا وضميرا. يتضامن مع الفرد لو كان مظلوما. اما نحن، فوزراؤنا لم يخرج منهم واحد بربع استقالة، وليس كلها، من اجل شعب خرج من بغداد الى البصرة يصيح ويقسم بأنه مظلوم مسروق مقتول. الكل في الكل يعترف بالفساد المتربع على عرش السلطات الثلاث. زين ماكو قاضي استحى واستقال؟ ماكو وزير خجل من صوت المتظاهرين وهم يضعون طينة الفساد بخد رئيس كتلته، ليترك الوزارة؟
من ظنوني التي اثبت حكام العراق الجدد فشلها، ان الفساد لو حطم وطنا وأفقر شعبا ستهتز الغيرة حتى عند من لا غيرة له. هاكم الدواعش. أنختلف على انهم آخر من يتحدث عن الرحمة والخجل؟ طبعا لا نختلف. حسنا ما رأيكم بهذا الخبر الذي يقول " أفاد مركز أبحاث غربي يعنى بدراسة ظاهرة التطرف، بأن عمليات الانشقاق تتزايد في صفوف مقاتلي تنظيم داعش بسبب اكتشافهم لمدى الفساد المالي والأخلاقي المتفشي بين قادة التنظيم"!
صوت مظفر النواب:
"الذئبة حتى الذئبة تحرس نطفتها. والكلبة تحرس نطفتها. والنملة تعتز بثقب الأرض".
أما أنتم: شسميكم؟ لا أدري.