مستحدثو النعمة |
تحذرُ أمثالنا الشعبية التي تعد ( حكمة المجتمع) تحذرُ من الجائع إذا شبع لا الشبعان إذا جاع ، فنموذج الجائع إذا شبع يفعل الأفاعيل ليعوض عن حرمانه الأول حينما تتاح له فرصة الثراء .. لذلك تراه يسلك كل المسالك التي تؤدي به إلى تجميع الثروة وتكثير الأموال والأملاك ولا يهمه إن كانت وسائله مشروعة أو غير مشروعة ، فإذا أتيحت له الفرص ، تراه ينهب ويزور ويخادع بل ويبتكر الوسائل التي تتيح له الثراء .مثل هذا النموذج تغريه حياته الجديدة وهو يرفل بين أرقام أعداد الدولارات التي تجمعت لديه ، فلا يتكلم إلا بالدفاتر وكيلوات الذهب .. تراه يتصنع في كل مظاهر حياته بل و (ينتفش) كالطاووس بين معارفه ، فهو اشترى فساتين زوجته وأحذيتها من لندن ، وعطورها وحليها من باريس ، وأولاده يزينون رقابهم بسلاسل من ذهب ، ولكل واحد منهم سيارته الخاصة ، وإذا أولم لأصدقائه ففي فندق الأحلام أو فنادق السعادة والسلام و .. و .. سيارته مظللة ، وخدمه أجانب ، وحمايته كحماية المسؤول فلان أو علتان .. يسهر ، ويشرب ، ويرقص ، لان أبواب الحياة انفتحت أمام (عبقريته) و(شطارته) و (مواهبه) ، يصنع له حسبا ونسبا وقد يعمد إلى مصنفي العشائر ليثبتوا له نسبا يؤازر ثراءه ويقوي هيبته . هذا النموذج الشائع في أيامنا بعد التغيير يبقى موقعه في المجتمع كالدمية ، لان عين المجتمع بصيرة لا تخدعها المظاهر فهم يعرفون أهل الحسب والنسب العريقين وهو ليس منهم بل هو من مستحدثي النعمة الذين تكاثروا بل نبتوا بعد التغيير كالفطر والفطر لا جذور له . بين عشية وضحاها وجدنا هذه الطبقات من الدمى التي تحاول أن تثبت أقدامها بالتقرب إلى هذا المسؤول أو ذاك ، والأدهى أن نجد بعض المسؤولين نبتوا من هذه الطبقات .. المسؤولون الذين مسحوا وضعهم الاجتماعي السابق لأنهم يخجلون منه ويؤسسوا لوضع اجتماعي جديد يخادعون به ويخدعون .. هؤلاء يبقون مهما تفننوا في تزويق حياتهم وتجميلها .. يبقون كالقبيحة تبقى قبيحة مهما وضعت على وجهها من مساحيق ماكس فاتور أو قلائد من ذهب والماس ، ولم أفاجأ حينما رأيت احدهم يطوق عنق كلبه بسلسلة من ذهب وفقراء الناس يجمعون البلاستك وعلب المشروبات الغازية الفارغة من القمامة ( الزبالة ) ليأكلوا لقمتهم ، ويا أيها الحياة عجيب أمرك .
|