يوم لاينفع مال ولا بنون

 

 

الإنسان مهما كانت رحلته في الحياة طويلة، ويصل إلى نهاية (أرذل العمر) فإنه يشعر بقصر رحلته التي تقاس عادة بطول مسطرة هندسية (30) سنتمترا ولكنه رغم دنو ساعته يبقى متعلقاً بمغريات الحياة الفانية ويتمنى لو عاش عمر سيدنا (نوح) عليه السلام (1050) عاماً الذي يُعدْ رقماً قياسياً منذ الخليقة بل ويبحث عن الخلود الذي رحل من أجله (كلكامش) للعالم السفلي ويوقف دورة الزمن عند نقطة تضمن بقاءه أطول حقبة زمنية وما ينطبق على الإنسان وطموحاته ورغباته التي تفوق قدرته وحجمه في مجتمعه ليستحوذ على كل ما تصل إليه يده حتى لو كانت لقمة الجياع، ينسحب هذا الفعل والممارسة غير المشروعة- على الحكام الذين استطاعوا بغفلة من الزمن التسلط برقاب شعوبهم ونهب ثرواتهم وتركوهم يعيشون في دوامة الجوع والحرمان لعقود من الزمن ضاربين بعرض الحائط ما جاء بالدساتير والقوانين التي وضعت من قبلهم أو زمانهم متبعين الأساليب الانتقائية في فرض إرادتهم على الناس الذين أجلوسهم على كراسي الحكم..! متناسين أن ورقة (التوت) لا يمكن تستر عورة كل أنظمة البلدان العربية المترامية الأطراف، وأن قدم الورقة أدى إلى تهرئها مما سمح بمشاهدة (بعض) من تلك (العورات) بالعين المجردة، ورغم عملية (الترقيع) التي تقوم بها حاشية الملك أو الرئيس أو العقيد أو الشيخ، فلا يمكن إخفاء عيوب الأنظمة الفاسدة التي أصبحت تتناقض مع حركة الشعوب والتاريخ المعاصر، وسيجدون أنفسهم بين قوسين أو أدنى من نهايتهم المحتومة وعندها لا ينفعهم الندم والتوسلات من ضحاياهم مطالبين بالرحمة التي لا تعرف يوماً مكاناً في قلوبهم القاسية، كما حصل لبعض الحكام العرب الذين أفسدوا في الأرض واكتنزوا الذهب والفضة والدولارات وشيدوا قصوراً تضاهي أيام زمان ألف ليلة وليلة، وكانت مضرب أمثال عصرها، وحولوا دولهم بما تحتويه من ممتلكات ملكاً صرفاً لهم ولأولادهم الوارثين، وجعلوا شعوبهم مشاريع أستشهاد ووقوداً لحروب مجانية وأرقاماً في بورصة الانتخابات التي تضمن بقاءهم، من دون يتحسبوا لليوم الذي لا ريب فيه (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء :88- 89) وهم في غيهم وسباستهم قامت الثورات العربية لأسقاط عروش أنظمة الطغيان ولتشكيل نهاية لعملية النهب الاستعماري للشعوب، وبداية لمرحلة جديدة تتطلع فيها الشعوب لاستقلال شامل عن الاستعمار القديم والحديث، وهذا الاستقلال لا يتحقق إلا بنظام اقتصادي جديد يقوم على الحرية والعدالة والتنمية والاكتفاء الذاتي واحترام كرامة الإنسان والاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية، وتشجيع المستثمرين الصغار والتعاون الاقتصادي بين الدولة العربية وصولاً إلى التكامل الاقتصادي الذي يصب في مصلحة الشعوب العربية التي عرفت طريق خلاصها الأبدي..!