حظ العراقيين

 

للحظ قيمة اعتبارية تلازم المرء.. هو يلقي عليها تداعيات هزائمه وفشله المستدام.. وعندما نقول ان فلانا ” غير محظوظ ” نعني انه منحوس تعس، وان اموره واحواله في الغالب “سودة مصخمة”.

 

وعندنا نحن العراقيون فان صاحب “الحظ والبخت” هو الشخص عالي الشأن العادل العاقل ذو الحظوة، المناصر للحق والمدافع عن المظلومين، وان اقسمت عليه بحظه وبخته فسيصدقك القول والموقف متحملا جميع النتائج والعواقب.. اما من ليس عنده “لا حظ ولا بخت” فيمكنه ان يفعل بالخلق ما يشاء دون خوف من الله او وخز من ضمير. ولكن هل حقا ان هناك شعوبا محظوظة، واخرى تعسة، تلاحقها غربان الشر وتطاردها المشكلات والطلايب اينما حلت وتوجهت؟!.

 

ترى اين مكان الشعب العراقي من سلم الحظ العالمي؟ اذا ما اخذنا بالحسبان ان العراقيين لم ينعموا بسلام واستقرار حقيقيين منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 الى يومنا هذا، بل منذ نزول القوات البريطانية الى البصرة عام 1914، وربما قبل هذا التاريخ بكثير اذا ما رجعنا الى دهور القحط العثماني وما فعله ابناء الباب العالي المتعجرفين، بأولاد الباب الناصي المساكين.

 

وهل تعلمون ان هناك معهدا عالميا يدعى ” غالوب ” يصدر قائمة سنوية بأوفر الشعوب حظا وسعادة، واتعس شعوب الارض بؤسا وشقاء؟ غير ان هذه المعهد دائما ما يتجاهل حظ العراق فلا يذكره لا بالخير ولا بالشر، لا مع اصحاب الحظ “الكاعد” مثل سويسرا والنروج، ولا مع جماعات الحظ “المكنبص” كبورندي الافريقية وسوريا العربية .

 

لكني اكاد ان اجزم بان حظ العراقيين وعلاقتهم بالسعادة لا تتعدى عن كونها ومضات سريعة تبرق في حياتهم، فيبقون يتحسرون عليها سنوات وسنوات.. فلو مرت حفنة سنين شهدت وفرة في الخبز والطماطة وتسيد الباذنجان قائمة الخضروات الرخيصة، وانحسرت الحروب والنزاعات الداخلية، ولم نشهد انقلابات ولا سحل او شنق او اغتيالات، ولا فيضانات وكوارث وأوبئة ونزوح وحصارات، لقالوا عنها ايام الخير وظلوا يتغنون بها في دواوين الشعر وجلسات السمر، بل ان بعضهم يطلق وصف سنوات الخير على اية مرحلة سابقة، في اشارة الى ان ديدن امورنا واحوالنا دائما ما يسير من سيء الى اسوء.

 

فمن كان يتصور ان حظنا الاسود يقوم بطي قرابة الاربعين عاما من الدكتاتورية والظلم والقهر؟، ليفتح صفحات من ظلم جديد، وفساد وتبديد ثرورات ودكتاتوريات من نوع آخر، عرفت سبل ترويض الممارسات الديمقراطية وتذليلها تبعا لمصالحها الشخصية والحزبية والفئوية.

 

ان حظوظ الشعوب قد تتبدل تبعا لتغير افكار ابنائها، فلو تنازلنا قليلا عن العصبيات الطائفية والعشائرية وصوتنا وفق معايير الوطنية والمنفعة العامة، وتأنينا قبل اصدر الاحكام الايجابية المتسرعة تجاه حكامنا وكبرائنا الذين ظلوا يسرقونا ويخدعوننا ونحن نصفق ونهتف لهم، ونلقي عليهم افضل اوصاف التبجيل والاحترام ، وربما نتقاتل فيما بيننا اكراما لعيونهم.

 

نعم.. ان تجاوزنا ذلك وثبتنا عليه، لتبدل حال حظنا وانارت قناديل السعادة دروبنا، ولضحكنا من نتائج استطلاعات معهد غالوب، منشدين بنفوس طيبة سعيدة (ما ريده، ما ريده، الغلوبي(